كولبي يختتم “فرحة” قصف إيران من خلال إنهاء الدعم لأوكرانيا

دَوَران ودُوار. إنه ملخص سياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب وتداعياتها على المراقبين.
“من المفيد التذكير، أحياناً، بأن هناك قوة عظمى واحدة”، كتب هال براندز في “بلومبرغ” تعليقاً على قصف أميركا للمنشآت النووية الإيرانية.
نُشر مقاله بعد ساعات من تقرير “بوليتيكو” عن إيقاف البنتاغون شحنات أسلحة لكييف بسبب الخوف من انخفاض مخزون الذخائر الأميركية. إذاً، قوة عظمى بمخزون تسليحي ضعيف.
“لا نستطيع إعطاء الأسلحة للجميع في كل أنحاء العالم”، قال الناطق باسم البنتاغون شون پارنل.
جاء ذلك بعد أيام قليلة من نشر مقال لريبيكا كوفلر في “تلغراف” أشارت فيه إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين لم يساعد طهران في محنتها بسبب “قلقه البالغ” من إمكانية زيادة واشنطن دعمها العسكري لأوكرانيا.
تبيّن أن القلق المفترض كان عابراً جداً. بل حلّ مكانه سريعاً شعور روسي تأكيدي لصحة الرهان على هشاشة الإرادة الغربية. ويبدو أن ثمة مسؤولاً واحداً عن تلك المعمعة: رئيس السياسات في البنتاغون إلبريدج كولبي.
“لا قيمة له”
يصنّف البعض كولبي في مرتبة وسطى بين “التدخليين” و”الانعزاليين”. هو من “مانحي الأولوية” (Prioritizers) للصراع مع الصين. لكن تعليقات سابقة عن أوكرانيا نسبها إليه أحد المعلقين الروس، توحي بأنه ينفر منها: “إنه إلهاءٌ لصالح موضوع لا قيمة له. علينا أن نحمّل أوروبا هذه المشكلة. لديهم الكثير من الأموال، فليتعاملوا معها. سنتعامل مع التهديد الحقيقي وهو الصين”.
للتأكيد، بإمكان دولة أن تكون قوة عظمى وتبحث في الوقت نفسه عن توزيع أولوياتها العسكرية وحماية مخزوناتها. في نهاية المطاف، لا بد من إقران الأهداف بالوسائل. علاوة على ذلك، ليست مشكلة أميركا مع مخزونات الأسلحة جديدة، وإن كبُرت في الآونة الأخيرة بفعل دعم أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، كما بفعل ازدياد قوة الصين. أشار براندز في مقاله إلى أنه كتب منذ عقد كيف كانت أميركا تتجه نحو “استراتيجية خداع” متمثلة بـ “محاولة فعل الكثير عبر القليل”. سبب ذلك عدم إقرار التمويل الكافي للتسلح.
لكن الوقف الأخير لشحنات الأسلحة مريب لأسباب متنوعة، ولا تتعلق بقضية تلبية احتياجات أميركا الدفاعية، على الأقل ليس بشكل مباشر.
أوقفت أميركا تسليم نحو 90 صاروخ “إيم-7 سبارو”، وهي صواريخ جو-جو قديمة جداً تستبدلها تدريجياً بنسخ أحدث. للمفارقة، حدّت تايوان من استخدام تلك الصواريخ سنة 2012 بسبب عدد من الأعطال.
نائب الرئيس جيه دي فانس دعم كولبي خلال جلسة المصادقة التشريعية (أ ب)
ومن بين الأسلحة المعلّقة 30 صاروخ “باتريوت”، وهي من الدعم الصادر عن “مبادرة مساعدة أمن أوكرانيا” (يوسايد) التي تسمح بشراء الأسلحة من الصناعة الدفاعية والشركاء. هذا على عكس المساعدات الآتية من “سلطة السحب الرئاسي”. على أي حال، شارف الدعم الآتي من “السحب” على الانتهاء، فيما سادت توقعات بمواصلة أوكرانيا الحصول على الدعم الأميركي عبر برنامج “يوسايد” حتى سنة 2028 تقريباً.
تغيير الرأي وارد… ولكن
قد تتراجع الإدارة عن قرارها بعد التقييم. ليس واضحاً ما إذا كان بإمكانها التراجع سريعاً عن الضرر الذي ألحقته بصورتها. أولاً، جاء قرارها بعد قول ترامب خلال قمة الناتو الأخيرة إنه يفكر بإرسال صواريخ “باتريوت” إلى أوكرانيا. يثير ذلك سؤالاً عن قوة التنسيق بين الرئيس ووزارة الدفاع.
ثانياً، لم تأتِ الخطوة الأميركية المتراجعة بعد إظهارٍ استثنائي للقوة وحسب. لقد اتُخذ القرار في وقت تفكر بيونغ يانغ بإرسال عشرات آلاف الجنود إلى الجبهة بحسب الأوكرانيين. مع الاعتراف باختلاف الظروف والقدرات والأدوار، لكن يبدو أن قوة عسكرية متوسطة مثل كوريا الشمالية لا تخشى كثيراً تقسيم قواتها وأسلحتها بين مسرحين.
هذا وقد تتضرر أوكرانيا من القرار الأميركي، بحسب “معهد دراسة الحرب”. بالحد الأدنى، ستشعر أوكرانيا بتبعات القرار بعد الخريف، كما قال خبراء عسكريون لـ “بوليتيكو”.
“يركّز على الصين”؟ … فكِّروا مجدداً
إنّ فكرة تعزيز جبهة شرق آسيا على حساب شرق أوروبا لا تجتاز أول اختبار صارم.
“سيكون من الجنون تخلي الولايات المتحدة عن أهم أصولها العسكرية من أجل نزاع مع الصين حول تايوان”، كما قال إلبريدج السنة الماضية. كان يتحدث عن صفقة الغواصات النووية من طراز “فرجينيا” مع أستراليا، من زاوية أن أميركا عاجزة عن تلبية حاجاتها الخاصة من الغواصات قبل حاجة الآخرين. ناقض ذلك أفكاراً أخرى له تقول إن الدفاع عن تايوان حيوي جداً.
بالمناسبة، بدأت أميركا مراجعة الصفقة الشهر الماضي. القلق واضح، ومتوقع، في الصحف الأسترالية. يبدو أن قرب أستراليا من الصين قد لا يحميها من السياسات المبهمة لـ “الانعزاليين”. أو بالأحرى “الأولويين”. إذا كان هناك من فرق بين المصطلحين على أي حال.