هجوم ‘البوليساريو’… الإحباط في لحظة القرار السياسي

هجوم ‘البوليساريو’… الإحباط في لحظة القرار السياسي

في الوقت الذي وضع فيه مشروع قانون في الكونغرس الأميركي من أجل تصنيف جبهة “البوليساريو” تنظيماً إرهابياً، اختارت قيادة الجبهة تقديم دليل آخر على إرهابها وذلك عندما قررت إرسال مقذوفات عشوائية الجمعة الماضي، سقطت في ضواحي مطار مدينة السمارة في قلب الجنوب المغربي، وهو هجوم يائس يستعمل ذخيرة متخلفة من الحرب الباردة تعود إلى الحقبة السوفياتية تماماً كتنظيم “البوليساريو” الانفصالي. 

الهجوم الإرهابي في الأسبوع الماضي يذكرنا بالاستهدف الذي تعرضت له مدينة السمارة أيضاً، وهي العاصمة العلمية والروحية للصحراء المغربية، بأربعة مقذوفات ليلة 30 تشرين الأول / أكتوبر 2023، في سيناريو كان دموياً استهدف أحياء سكنية لإرهاب المدنيين، مخلفاً شهيداً مغربياً مهاجراً في فرنسا، وثلاثة مصابين. وإذا كان الاعتداء الأول قد تزامن مع اجتماع مجلس الأمن حول الصحراء المغربية، فإن الاعتداء الثاني يأتي هذه المرة في سياق تفاؤل دولي بقرب إنهاء نزاع مفتعل طال نصف قرن، كما أن الهجوم الأخير يعكس أسلوبه درجة الفشل العسكري واليأس السياسي الذي تعاني منه قيادة الانفصاليين وعدم قدرتها على الاستقلال بقرارها.

الهجوم الأول الذي وقع أواخر تشرين الأول 2023، جاء عشية التصويت على القرار الأممي 2703، وهو قرار حاسم أكد أن الجزائر طرف رئيسي في النزاع، داعياً إياها للعودة إلى طاولة المفاوضات ضمن صيغة الموائد المستديرة، التي قاطعتها في تحدٍ مباشر لقرارات مجلس الأمن. القرار، الذي صوتت لمصلحته 13 دولة، لم يشهد أي معارضة، ما عكس الدعم الدولي الواسع للرؤية المغربية، وأضعف الطرح الانفصالي.

هذا القرار، لأول مرة، ربط بشكل صريح بين تسوية النزاع في الصحراء المغربية وتعزيز الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل واتحاد المغرب العربي. فالخطة المغربية للحكم الذاتي، التي تقدمت بها الرباط منذ 2007، لم تعد إطاراً للحل فحسب، بل باتت مخرَجاً ضرورياً للأزمات الأمنية والاقتصادية التي تعاني منها المنطقة. 

في السياق ذاته، تأتي هذه الاعتداءات الإرهابية بعد تحركات إقليمية مهمة، أبرزها قرار موريتانيا إغلاق معبر “البريكة” الذي يربطها بتندوف، وتزامن ذلك مع فتح معابر جديدة بين المغرب وموريتانيا عبر المنطقة العازلة، في ما يمكن اعتباره تحوّلاً استراتيجياً في المشهد الميداني والسياسي.

ولعل الأهم أن الولايات المتحدة الأميركية، حاملة القلم في قضية الصحراء المغربية في مجلس الأمن، باتت أكثر وضوحاً في موقفها، إذ شددت بشكل واضح وفي سياقات مختلفة على ضرورة التحلي بالواقعية والجدية باعتبار حل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية نقطة النهاية للنزاع المفتعل. وهو موقف تتقاسمه واشنطن مع معظم العواصم الدولية المؤثرة، التي أعلنت دعمها الصريح للمبادرة المغربية كحل نهائي لهذا النزاع، وآخرها الموقف التاريخي الأخير لبريطانيا. 

 الاعتداء المتكرر على مدينة السمارة يفضح عقلية العنف واليأس التي تتحكم بالجبهة، ويؤكد أن مشروع الانفصال دخل مرحلة العد العكسي. بينما المغرب، بثباته على الشرعية الدولية وخياراته التنموية، يراكم الإنجازات داخلياً وخارجياً، ويوجه رسائل واضحة: لا تسامح مع الإرهاب، ولا تراجع عن السيادة، ولا بديل من الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية.