أوهام النفوذ الإقليمي لسوريا في زمن حكم الأسد

أوهام النفوذ الإقليمي لسوريا في زمن حكم الأسد

نادراً ما تم التطرق إلى الدور الإقليمي لسوريا، في ظل نظام الأسد (الأب والابن)، إذ إن معظم الانتقادات الموجهة إلى هذا النظام ركزت على طبيعته، كنظام تسلطي، وراثي وعائلي، ارتكز في ترسيخ سيطرته على شعبه، بالاستبداد والفساد، ومصادرة حقوق مواطنيه، والتحكم بموارد بلده.

وفي الواقع، فإن مشكلة نظام الأسد (الأب والابن) لم تكن داخلية، أي إزاء شعبه فقط، وإنما كانت خارجية أيضاً، تتعلق بالدور الذي لعبه في محيطه، طوال أكثر من خمسة عقود، علماً أن الهيمنة الخارجية أضفت مزيداً من القوة والتعسف في تعامل النظام مع شعبه، وتعزيز شرعيته، وتغطية سياساته الداخلية.

في المحصلة، فإن الأذى الذي ألحقه النظام بشعبه، حصل مثله في مداخلاته اللبنانية والفلسطينية والعراقية والتركية، فضلاً عن مداخلاته على الصعيد العربي، التي تمثلت، في عهد الأسد الأب، بسياسة المحاور، وخصوصاً الاستثمار بصعود إيران، لابتزاز دول الخليج العربي؛ في حين في عهد الأسد الابن تحولت سوريا إلى منطقة نفوذ لإيران، في السياق ذاته.

بداية كانت قضية فلسطين مدخل النظام السوري لتعزيز مكانته عربياً ودولياً، بحكم موقع سوريا الجغرافي، وقوة جيشها، وارتباط شعبها تاريخياً بالفلسطينيين، ما تجلى بمحاولة السيطرة على الحركة الوطنية الفلسطينية، منذ نشوئها (1965)، وعندما لم تنجح لجأت إلى تشكيل، فصائل تابعة لها ودعمها، كـ”الصاعقة”، و”الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة”، إضافة إلى الضغط على الفصائل الأخرى، لفرض أجندتها، أو وصايتها، على العمل الوطني الفلسطيني، إلى درجة أن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي كانت تربطه علاقات متوترة بالأسد الأب، أشهر شعار: “استقلالية القرار الفلسطيني”، كردّ على تدخلاته في الشأن الفلسطيني.

في ما بعد، وعلى خلفية تزايد نفوذ الحركة الوطنية الفلسطينية في لبنان، أتى التدخل العسكري السوري في لبنان (1976)، ما أدى إلى هيمنة نظام الأسد (في عهد الأب والابن) عليه، لثلاثة عقود، أي إلى حين إخراجه منه (2005).

وإذا كان نظام الأسد وظّف الوجود الفلسطيني في لبنان لشرعنة تدخله فيه، وهيمنته عليه (1976 ـ 2005) فإن الوجود العسكري السوري في لبنان، مهد لهيمنة إيران عليه، منفردة، للعقدين التاليين (2005 ـ 2024).

إزاء العراق لعب النظام السوري الدور ذاته، عبر مداخلات استخباراتية، وعبر التحريض داخلياً وخارجياً عليه، مع إضافة تتمثل بسعي النظام السوري الى توظيف السياسات الإيرانية، لإضعاف العراق، ولابتزاز دول الخليج العربي.

أيضاً، تركيا لم تسلم من الدور الإقليمي للنظام السوري، وقد تجلى ذلك في الدعم السياسي والعسكري والمادي واللوجستي لعبد الله أوجلان في تأسيس “حزب العمال الكردستاني” (1978) وتمكينه كميليشيا عسكرية أيضاً، وهو الدعم الذي استمر لعقدين (1998)، وتوقف بعد تهديد تركيا لسوريا.

إزاء إسرائيل، فإن الحرب الوحيدة التي خاضها النظام هي حرب تشرين الأول/أكتوبر (1973)، وهي أتت غالباً، لتعزيز شرعية نظام الأسد، وتمكينه في السلطة، بالإضافة إلى أنها أتت في سياق عربي ودولي، ضمنه الرد على هزيمة حزيران/ يونيو 1967.

المشكلة، بعد كل ما تقدم، أن محاولة نظام الأسد احتلال مكانة إقليمية أتت على حساب الشعب السوري، بمعنى أنها حمّلته أكثر مما يتحمل، علماً أن خواء هذا الدور، أو مراوغته، لا يقلان عما حصل في ما خص شعاره الأثير: “وحدة حرية اشتراكية”، إذ كان النظام (في عهدي الأب والابن) أبعد شيء عن مفردات ذلك الشعار، وهذا ينطبق على مراوغته، أو توظيفه للصراع ضد إسرائيل، لتعزيز قبضته الأمنية على الشعب والاقتصاد السوريين، سواء تمثل ذلك بادعائه تحقيق “التوازن الاستراتيجي” مع إسرائيل، أو بادعائه “المقاومة والممانعة”، فهذه كلها شعارات، أو سياسات، كلامية، هدفها التورية والمراوغة وإضفاء مشروعية على السياسات الداخلية الاستبدادية؛ علماً أن أهم شروط قبول وجود فصائل فلسطينية في سوريا، منذ أواسط الستينات، عدم العمل من خلال الجبهة السورية.

في المحصلة فقد دفع الشعب السوري ثمناً باهظاً ليس جراء نظام حكم البلد بقبضة حديدية، حطمت الدولة والمجتمع السوريين، أو أدت الى تصدعهما  فحسب، وإنما أيضاً جراء الدور الإقليمي المؤذي، للسوريين ولجوارهم، والذي حمل سوريا فوق ما تتحمل بالنظر الى محدودية مواردها البشرية والاقتصادية، وبحكم تبديد تلك الموارد في تدخلات مضرة، لا تفيد إلا رأس النظام، بدل استثمارها في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي كان الشعب السوري أحوج إليها من أي شيء أخر.

ما ينطبق على الدور الإقليمي لسوريا، ينطبق على الدور الإقليمي لإيران، أيضاً.