زيارة استراتيجية لتعزيز العلاقات بين القاهرة وحفتر: الأولوية للأمن

السيسي مستقبلاً حفتر في العلمية. (الرئاسة المصرية)
عاد الزخم إلى العلاقات بين القاهرة وقائد “الجيش الوطني الليبي” خليفة حفتر، بعد فترة من الفتور شابها حديث متصاعد عن توتر بين الجانبين، نتيجة تباينات في التعاطي مع قضايا إقليمية متشابكة.
زيارة حفتر الثانية إلى مصر خلال العام الجاري، ولقاؤه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مدينة العلمين الساحلية (شمال غرب القاهرة)، رافقه فيها نجلاه، خالد، رئيس أركان القوات الأمنية، وصدام، رئيس أركان القوات البرية، وذلك بحضور رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد، تزامنت مع اشتعال ملفات إقليمية عدة، في مقدمتها التوتر بين ليبيا واليونان بشأن حقول الغاز والنفط في البحر المتوسط، واتجاه قادة شرق ليبيا إلى تمرير اتفاق كانت قد وقعته تركيا مع العاصمة طرابلس عام 2019، بشأن ترسيم الحدود البحرية، يمنح أنقرة امتيازات استكشاف داخل الحدود الليبية.
كذلك تزامنت مع تصاعد حدة الصراع بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” والجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، في منطقة المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا، بالإضافة إلى حراك دولي لحلحلة النزاع المحلي الليبي، والضغط لدفع الفرقاء إلى صناديق الاقتراع، بينما تستعد القاهرة لإحياء دورها عبر ترتيب لقاء جديد يجمع رؤساء المجلس الرئاسي ومجلسي النواب والأعلى للدولة.
لكن البيان الرئاسي المصري لم يُشر إلى تشابكات الملفات الإقليمية، واكتفى بالتأكيد على أن “استقرار ليبيا يُعد جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري”، مشيراً إلى “أهمية تعزيز التنسيق بين جميع الأطراف الليبية لوضع خارطة طريق سياسية شاملة تفتح المجال لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن، وضرورة التصدي للتدخلات الخارجية والعمل على إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية”، ما يدل على أن المحادثات ركزت على ملفي تأمين الحدود الليبية – المصرية، والصراع المحلي في ليبيا.
ويصف الباحث المصري في الشؤون الليبية محمد فتحي الشريف زيارة حفتر بـ”المهمة”، لا سيما أنها تتزامن مع الانخراط المكثف للمجتمع الدولي في العملية السياسية والأمنية في ليبيا، موضحاً أن الجهود المصرية “تركّز على ملف توحيد المؤسستين العسكرية والأمنية، باعتبار أن المعضلة الأمنية هي العامل الرئيس الذي يعيق التقدم في المسار السياسي، في وقت يجري فيه الترتيب لعقد لقاء بين رؤساء المجالس الثلاثة: الرئاسي، والنواب، والأعلى للدولة”.
ويؤكد الشريف، الذي يرأس مركز العرب للأبحاث والدراسات، في تصريح لـ”النهار”، أن “العلاقات الوثيقة بين حفتر والقاهرة تُساهم في معالجة القضايا المتشابكة، وعلى رأسها ملف ترسيم الحدود البحرية، كما تخدم في ملف تأمين الحدود الجنوبية مع السودان”، موضحاً أن القاهرة “لا تتدخل في الشؤون الليبية، وبالتالي لا تمانع تمرير مجلس النواب اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، لا سيما في ظل التقارب الأخير بين القاهرة وأنقرة”.
أما المحلل السياسي الليبي حمد عز الدين، فيربط توقيت الزيارة باستعداد البعثة الأممية للإعلان عن خطة جديدة للحل السياسي في ليبيا. ويقول في تصريح لـ”النهار” إن الزيارة “تندرج في إطار العمل المشترك بين مصر وليبيا والتعاون الأمني والعسكري في ظل تطورات المنطقة، وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لكن يمكن قراءة توقيتها كمحاولة استباق للترجيحات باعتماد البعثة الأممية مسار إعادة إحياء لجنة الحوار السياسي، وهو ما قد يؤثر على دور مجلس النواب، ويُفضي إلى تجميد مشاركته في المشهد، ويتعارض مع ما خرج من الاجتماع بدعم مصري لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة”. ويضيف: “مصر لها دور إقليمي ودولي في الملف الليبي، وأعتقد أن هناك ضغوطاً ستُمارس في ما يخص الخطة الأممية المرتقبة خلال الأيام المقبلة”.
ويرجح الباحث الليبي في الشؤون السياسية والاستراتيجية محمد امطيريد أن تشهد المرحلة المقبلة، عقب لقاء العلمين، ارتفاعاً في مستوى التعاون بين القاهرة و”الجيش الوطني الليبي” في الترتيبات الأمنية. ويوضح لـ”النهار” أن “تصاعد التوتر في منطقة المثلث الحدودي مع السودان، وانعكاساته على انتشار عمليات تهريب البشر والسلاح، يُثير قلق الجانبين، ما يتطلب تنسيقاً وثيقاً لتأمين المنطقة”، مضيفاً: “كما يمكن للقاهرة أن تلعب دور الوسيط بين ليبيا واليونان لمنع تصاعد الأزمة الأخيرة بشأن ترسيم الحدود البحرية”.
لكن امطيريد يؤكد أن “الأزمة السياسية المحلية كانت أيضاً على جدول الاجتماع، قبيل إعلان الخطة الأممية الجديدة، والتي يُرجّح أن تُقصي المؤسسات التشريعية (مجلسي النواب والأعلى للدولة) عن المشهد. فمصر شريك أساسي في العملية السياسية الليبية، وتستمع إلى الأطراف المحلية، وفي مقدمتهم قائد الجيش الوطني، لبلورة رؤية تطرحها على المجتمع الدولي”.
العلامات الدالة