مصطفى سالم: مهندس معماري مصري يعمل على إعادة تأهيل المباني التراثية في وسط القاهرة.

في مدينة تتكئ على ذاكرتها التاريخية، تعاني العديد من البنايات المميزة معمارياً في القاهرة من الإهمال والتدهور، وهو ما دفع المهندس المصري مصطفى سالم إلى تقديم مبادرة فريدة تستهدف التوعية بتراث بنايات مدينة القاهرة.
وحولت مبادرة سالم التصميم الرقمي إلى أداة توعوية، عن طريق إنتاج مقاطع فيديو تنبض فيها البنايات المميزة بالحياة، حيث تكتسي بتصميم معماري مختلف عن الواقع المزري؛ وهو ما أدى إلى انتشار هذه المقاطع بسرعة لافتة، وتحديداً على موقع إنستغرام.
هو خريج قسم العمارة بكلية الهندسة عام 2014، بدأ مسيرته كمصمم معماري فاز بعدة جوائز منذ أن كان طالباً، منها المركز الثاني في مسابقة تابعة للأمم المتحدة حول “إعادة إحياء المجمعات السكنية المهملة”، وكانت له مشاركات دولية في ورش ومسابقات في بلدان مختلفة، مثل ألمانيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وغيرها.
نموذج من إعادة تصميم سالم لإحدى بنايات وسط البلد.
بداية المبادرة
في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أطلق مشروعه البصري التوعوي عبر منصات التواصل الاجتماعي، والذي يعتمد على تصميمات معمارية رقمية يعيد من خلالها تصوّر مجموعة من المباني التراثية في القاهرة، لا سيما في وسط البلد. هذه التصاميم التي تُعرض غالباً عبر مقاطع فيديو قصيرة، تمثّل أكثر من مجرد محاكاة بصرية؛ إنها محاولة لإعادة ربط الناس بتراثهم المعماري، عبر أداة معاصرة قريبة من وجدانهم تتمثل في الصورة.
يقول سالم لـ”النهار”: “ما أقوم به ليس عملاً تقنياً معقداً، إنما محاولة لإعادة تعريف العلاقة بين الناس ومحيطهم. كثيرون يجهلون القيمة الحقيقية لتلك المباني، لذلك لا يبالون بإهمالها أو تشويهها. الصورة تؤدّي دوراً محورياً في إعادة تشكيل الوعي، لأن الناس تتفاعل مع ما تراه، لا مع ما يُقال لها”.
ويضيف: “اخترت أن أبدأ من وسط البلد، لأنه قلب المدينة، ولا يمكن لمدينة أن تبقى حيّة وقلبها ميت. لكن هذه ليست النهاية، بل أتمنى أن تمتد المبادرة لتشمل كلّ المدن المصرية، لأن لدينا ثروة معمارية تُهمل يومياً أمام أعيننا”.
تعاون حكومي
حتى الآن، عمل سالم على تصاميم رقمية شاملة لستة مبانٍ بارزة في القاهرة، وقد أثمرت جهوده عن تعاون رسمي مع جهاز التنسيق الحضاري، إذ يُشرف حالياً على ترميم “مبنى تيرينج” التاريخي في منطقة العتبة، ضمن خطوات تنفيذية فعلية.
“هذا التحول من التفاعل الرقمي إلى الواقع هو ما أعتبره إنجازاً حقيقياً”، يقول سالم، مؤكداً أن “المشروع يراهن على التراكم والتأثير التدريجي”.
وعن أهمية الوسيلة التي يستخدمها، يوضح سالم: “نحن اليوم نتلقى معرفتنا من مواقع التواصل الاجتماعي. كيف لا نستخدم هذه الوسيلة في التوعية بالتراث؟ هذه المقاطع قد تكون أقوى من محاضرة مطولة، لأنها تدخل مباشرة إلى وعي الناس، وتبقى في ذاكرتهم”.
إعادة تصميم مبنى “ديانا بالاس“.
ورغم جماليات ما يقدمه، إلا أن رؤيته تتجاوز البعد البصري، إذ يرى أن المدينة يجب أن تُستعاد كمساحة معيشية متكاملة، ويقول: “لا أريد للناس أن يضطروا إلى مغادرة وسط البلد بحثاً عن مسرح أو مكتبة أو مقهى. أريدهم أن يعيشوا المدينة كما ينبغي، وأن يجدوا فيها كل ما يلبي احتياجاتهم اليومية. المسألة ليست فقط في الواجهات، بل في الفاعلية الحضرية”.
أما عن المباني التي أثرت فيه بشكل خاص، فيقول: “لدينا مبانٍ وقصص وتاريخ يستحق أن يُعاد إليه الاعتبار. لا يمكنني اختيار مبنى بعينه، لأن كل مبنى يمثل فرصة لحياة جديدة”.
وفي تقييمه لأسباب التدهور، لا يُحمّل الدولة وحدها المسؤولية، بل يشير إلى مسؤولية مزدوجة: “السلطات غائبة. نعم. لكن السكان أنفسهم يشاركون في تخريب البيئة العمرانية. من يكسر الواجهات ويشوّه المداخل ليس جهة رسمية، بل مواطن لا يدرك قيمة ما بين يديه”.
يختم سالم حديثه بقناعة بسيطة وعميقة: “التحوّل يبدأ من الوعي، والصورة قد تكون أكثر تأثيراً من ألف خطاب. حين يرى الناس جمال مدينتهم، سيعيدون التفكير في علاقتهم بها. وهذا هو جوهر ما أفعله”.