الخيالات السياسية التي ألغتها الحرب بين إسرائيل وإيران

الخيالات السياسية التي ألغتها الحرب بين إسرائيل وإيران

حسمت وقائع الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية، التي استمرت 12 يوماً، الجدل في شأن العديد من البديهيات السائدة في التفكير السياسي العربي، منذ عدة عقود، وخاصة في شأن مركز الثقل، أو القرار، في العلاقة بين الطرفين الإسرائيلي والأميركي.

هكذا، فقد بيّنت تلك الحرب أن الولايات المتحدة هي صاحبة القرار الفصل في الشأنين السياسي والعسكري، في ما يتعلق بالمنطقة، وأن حدود تأثير اللوبي الصهيوني، هي الحدود التي تسمح بها الإدارة الأميركية، سواء كانت ديموقراطية أو جمهورية.

ذلك حصل سابقاً لدى إجبار الإدارة الأميركية إسرائيل على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء مرّتين، الأولى إبان العدوان الثلاثي على مصر (1956) في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور، والثانية إبان إدارة الرئيس جيمي كارتر، في الضغط على حكومة مناحيم بيغن لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد (1978)، التي تضمّنت الانسحاب من الأراضي المصرية المحتلة عام 1967. أيضاً، تكرر ذلك إبان رفض الولايات المتحدة أي تدخل إسرائيلي في الحرب التي شنّتها لإجبار نظام صدام حسين في العراق، آنذاك، على الانسحاب من الكويت (1991)، ولدى إجبار إدارة بوش (الأب) حكومة إسحق شامير على الانخراط في مؤتمر مدريد للسلام (1991). والآن، في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي فرض بشكل حاسم، ومن طرف واحد، وقف الحرب بين إسرائيل وإيران، من دون أيّ صلة بالموقف الإسرائيلي، وخاصة مع رفضه، أو لامبالاته، بتحميل تلك الحرب هدف تقويض النظام في إيران، إذ في الحالين بدا واضحاً أن إسرائيل لا تستطيع أن تفعل شيئاً وحدها من دون دعم الولايات المتحدة لها، أو من دون تغطية أميركية، سياسية واقتصادية وعسكرية.

أيضاً، بيّنت تلك الحرب تسرّع، أو سذاجة، مقولتين، الأولى تعتقد بإمكان الرهان على خلاف أميركي – إسرائيلي، وضمنه بين ترامب ونتنياهو، إذ تبيّن أن تلك الخلافات شكلية، كون العلاقات أكثر عمقاً وثباتاً من أيّ خلاف. والثانية، التي تعتقد بإمكان المراهنة على سقوط حكومة نتنياهو بناءً على وقائع الحرب ضد الفلسطينيين، أو ضد لبنان أو ضد إيران، إذ تبين أن الإسرائيليين، أو أغلبية الإسرائيليين، يضعون خلافاتهم جانباً، للتوحّد حول ما يعتقدون أنه خطر خارجي، يستهدف وجودهم، رغم كل خلافاتهم وتناقضاتهم الداخلية.

هكذا فقد شهدنا غياب، أو انحسار، الحراكات الإسرائيلية الداخلية، بسبب عملية “طوفان الأقصى” (تشرين الأول/ أكتوبر 2023)، التي أتت بعد قرابة عام كامل من التظاهرات والاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو، سموتريتش، بن غفير، كاحتجاج على محاولة تلك الحكومة تقويض السلطة القضائية، ومصادرة دور المحكمة العليا، وتغليب طابع إسرائيل كدولة دينية ويهودية، على طابعها كدولة ديموقراطية وليبرالية.

أيضاً، حصل مثل ذلك إبان الحرب ضد إيران، التي روّج نتنياهو لاعتبارها خطراً وجودياً على إسرائيل، بسبب محاولتها الحصول على قدرات نووية، وحيازتها قوة صاروخية، وبسبب دعمها للميليشيات المسلحة في سوريا والعراق واليمن، وضمنه دعمها حركة “حماس”.

ويستنتج من ذلك أن الحروب الخارجية توحّد الإسرائيليين، ولا تفرّقهم، وهو أمر غفلت عنه الإدراكات السياسية السائدة في العالم العربي، التي ظنّت أن الحروب يمكن أن تضعف وحدة المجتمع الإسرائيلي، أو تضعف من التفافه حول حكومته، إذ بات نتنياهو بسبب حربه ضد الفلسطينيين، وضد “حزب الله” في لبنان، والحوثيين في اليمن، وبحكم انهيار النظام السوري، ثم بسبب حربه ضد إيران بمثابة المنقذ لإسرائيل، أو الزعيم الذي جلب لها ربما أهم مكاسب في تاريخها، بعد انهيار ما عُرف بالجبهة الشرقية، وفرض الهيمنة على الفلسطينيين من النهر إلى البحر، وردّه إيران إلى حدودها، وتقويضه مشروعها النووي.

تلك النتيجة لا تعني أن نتنياهو لا يمكن أن يسقط، وإنما هي تعني أنه لن يسقط بسبب الحرب فقط، وأن سقوطه، أو خروجه من الحلبة السياسية، سيكون لأسباب إسرائيلية داخلية، أي بعد أن تتوقف الحرب نهائياً، وهذا ما سيحصل على الأرجح.

ضمن ذلك يمكن احتساب أن تلك الحرب بيّنت عقم المراهنة على ما يُسمّى محور دول “بريكس”، الذي يضم الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا، والذي انضمّت إليه إيران أخيراً، إذ تبيّن أن الولايات المتحدة هي الدولة المقررة على الصعيد العالمي، سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً أيضاً، بغض النظر عن رأينا في السياسات الأميركية.