الأسباب وراء موقف روسيا من النزاع الإيراني – الإسرائيلي

د. خالد العزي
تشهد المنطقة منذ سنوات تصاعداً كبيراً في التوترات بين إيران وإسرائيل، ما يجعل من موقف القوى الكبرى، وعلى رأسها روسيا، نقطة محورية لفهم ديناميكيات الصراع وتأثيراته الإقليمية والدولية؛ فروسيا التي تربطها علاقات استراتيجية مع إيران وعلاقات ديبلوماسية قوية مع إسرائيل، تواجه تحدياً معقداً يتمثل في الموازنة بين دعم حليفها في الشرق الأوسط وضمان عدم تأجيج الصراع ليصبح مفتوحاً على نطاق أوسع.
الموقف الرسمي الروسي: دعوة للهدوء والوساطة
اتسم موقف روسيا الرسمي بالحرص على ضبط النفس والدعوة إلى تفادي التصعيد؛ فقد حذر الكرملين من أنّ أي تصعيد في الصراع الإيراني الإسرائيلي قد يؤدي إلى عواقب كارثية على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، مؤكداً أهمية الحلول الديبلوماسية. وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد موسكو للعب دور الوسيط بين الطرفين، في محاولة لمنع تصاعد التوتر وتحويل الصراع إلى مواجهة إقليمية واسعة. وتأكيداً لذلك، شدّدت روسيا على احترام حقوق إيران في برنامجها النووي السلمي، وفي الوقت ذاته، أكدت ضرورة مراعاة المخاوف الأمنية لإسرائيل.
التوازن بين إيران وإسرائيل: علاقة استراتيجية معقدة
على الرغم من دعم روسيا لإيران كشريك استراتيجي مهم، إلا أن ذلك لا يعني انخراط موسكو في مواجهة عسكرية مباشرة ضد إسرائيل. فالاتفاقيات التي أبرمت بين روسيا وإيران في السنوات الأخيرة، خاصة في 2025، ركزت على التعاون الاقتصادي والدفاعي، لكنها لم تتحول إلى تحالف عسكري صريح يهدد إسرائيل. من جهة أخرى، تحافظ روسيا على علاقة دافئة مع إسرائيل تقوم على التنسيق الاستخباري والتفاهمات المتعلقة بالوضع في سوريا، حيث تحرص موسكو على احترام الخطوط الحمراء الإسرائيلية وعدم الإضرار بمصالحها.
العلاقة الروسية الإسرائيلية: حاجز أمام توثيق العلاقات مع إيران
تشكّل العلاقات المتينة بين روسيا وإسرائيل عاملاً معقداً في مسار التعاون الروسي مع إيران، ويُعتبر هذا الارتباط بمثابة حاجز واضح أمام إمكانية تطور علاقة موسكو وطهران إلى تحالف شامل أو دعم عسكري مفتوح، فعلى الرغم من الشراكة الاستراتيجية التي تجمع روسيا بإيران، فإنّ موسكو تحرص بشدة على الحفاظ على علاقات ديبلوماسية واستخبارية قوية مع إسرائيل التي تعد لاعباً إقليمياً محورياً في الشرق الأوسط وتمتلك تأثيراً سياسياً وديبلوماسياً غير قابل للتجاهل.
تُبدي روسيا حساسية كبيرة تجاه الخطوط الحمراء الإسرائيلية، خصوصاً في ما يتعلق بالوجود الإيراني العسكري في سوريا والبرنامج النووي لطهران، حيث تسعى موسكو إلى تجنب أي صدام مباشر قد يُضر بعلاقتها مع إسرائيل. وهذا يجعل روسيا تلعب دور الوسيط الديبلوماسي بين الطرفين، محاولة التوفيق بين مصالحها مع إيران دون إغضاب إسرائيل. كما أن الجالية الروسية الكبيرة في إسرائيل تضاف إلى أسباب حرص موسكو على تعزيز علاقاتها مع تل أبيب، إذ يشكل هؤلاء جسراً ثقافياً وسياسياً يحث الحكومة الروسية على تجنب النزاعات التي قد تؤثر سلباً على مواقفها تجاه إسرائيل.
بالتالي، فإنّ العلاقة الروسية الإسرائيلية تمثل عائقاً عملياً أمام انفتاح روسيا الكامل على إيران أو تقديم دعم عسكري مباشر لها في مواجهة إسرائيل، ما يجعل من موقف روسيا من النزاع بين الطرفين موقفاً حذراً متوازناً يسعى إلى إدارة المصالح المتشابكة بدقة، بعيداً عن الانزلاق إلى تصعيد قد يُخل باستقرار المنطقة ومصالح موسكو الاستراتيجية.
دوافع السياسة الروسية: التركيز على أوكرانيا واستغلال الفرص في الشرق الأوسط
ترتكز السياسة الروسية على مبدأ الأولويات الاستراتيجية، حيث تركز موسكو جهودها ومواردها على الصراع في أوكرانيا الذي يعد محوراً رئيسياً لتحدياتها الأمنية. وفي الوقت ذاته، تنظر روسيا إلى تصاعد التوترات في الشرق الأوسط “كنقطة ” لتعزيز نفوذها عبر التوسط في الصراع، ما يمكن أن يعزز مكانتها الدولية ويساعد في تحويل أنظار الغرب بعيداً عن أوكرانيا. كما أنّ روسيا تخشى من انهيار النظام الإيراني الذي يُعتبر شريكاً مهماً في مشاريع الطاقة والدفاع، ما يفسر حرصها على استقرار طهران.
…تلعب العلاقة الروسية–الإسرائيلية دوراً مركزياً في السياسة الروسية تجاه الصراع الأوكراني، حيث تسعى موسكو للحفاظ على توازن دقيق مع إسرائيل لتفادي انخراطها في دعم عسكري مباشر لأوكرانيا. إسرائيل التي تحظى بنفوذ قوي من خلال جماعات الضغط مثل “الأيباك” في الولايات المتحدة، تعتبر لاعباً مؤثراً في السياسات الغربية الداعمة لأوكرانيا.
روسيا تتحاشى المواجهة مع إسرائيل ما يعكس إدراك موسكو أن تدهور العلاقات مع تل أبيب قد يدفع هذه الأخيرة إلى توسيع دعمها العسكري والاستخباري للنظام الأوكراني، خاصة عبر النفوذ الذي تمتلكه في واشنطن ولندن. روسيا تخشى أن تدخل إسرائيل الصراع دخولاً أكثر وضوحاً عبر تقديم مساعدات عسكرية نوعية لأوكرانيا، وهو ما سيزيد من تعقيد الوضع ويطيل أمد الحرب.
وبالتالي، تلتزم روسيا بسياسة حذر تجاه إسرائيل، توازن فيها بين مصالحها في الشرق الأوسط واحتياجاتها الاستراتيجية في أوكرانيا، ساعيةً للحفاظ على علاقات مستقرة مع تل أبيب حتى لا تتعرض إلى دعم أوسع من إسرائيل والنخب المؤثرة داخل الغرب.
يمكن القول إنّ روسيا تعتمد على سياسة متوازنة ومرنة تجاه الطرفين الإيراني–الإسرائيلي، حيث تقدم دعماً ديبلوماسياً لإيران وتحافظ في الوقت نفسه على علاقات جيدة مع إسرائيل. روسيا تسعى إلى لعب دور الوسيط من خلال تشجيع الحوار وتقليل التوتر، مع الابتعاد عن أي دعم عسكري مباشر قد يؤدي إلى تصعيد مفتوح. هذا النهج يعكس رغبة موسكو في حماية مصالحها الإقليمية والدولية، وتجنب فتح جبهات جديدة قد تُضعف موقفها في الصراعات الكبرى مثل أوكرانيا.