يوم مثير في عالم الدبلوماسية: خلف كواليس الاتصالات واتفاق الهدنة

“يوم دراماتيكي من الديبلوماسية”، هكذا وصفت شبكة “سي أن أن” الساعات الطوال التي سبقت إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف النار بين إسرائيل وإيران. اتصالات حثيثة أجريت في سباق مع الصواريخ، وفيما ساد الاعتقاد أن الشرق الأوسط متجه نحو تصعيد إضافي بعد قصف إيران لقاعدة العديد الأميركية في قطر، كان الاتفاق يحضّر من خلف الكواليس.
يُعتقد أن الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية الثلاث كانت الفاصلة في ما سماها ترامب “حرب الـ12 يوماً”، كونها حقّقت هدف إسرائيل بتدمير البرنامج النووي، موقتاً، وتكاملت مع العملية الإسرائيلية التي بدأت مع اغتيال أبرز قادة الحرس الثوري والعلماء النوويين، ومهّدت الطريق لمفاوضات “أقل تعقيداً” من الجهة الأميركية لأن إيران خسرت معركة التخصيب.
قبل أيام، شدد ترامب على “استسلام” إيران “غير المشروط”، ما دفع بالسؤال عن احتمال استسلام إيران مقابل وقف الحرب. لكن توفيق طعمة، المحلل والباحث في الشأن الأميركي وشؤون الشرق الأوسط، يستبعد فرضية الاستسلام، ويقول إن طهران “تلقت ضربات قاسية” وواشنطن تمكّنت من “تدمير المنشآت النووية” ولكن “ليس بشكل كامل”.
وفي حديثه لـ”النهار”، يشير إلى أن إيران “قادرة” على استعادة برنامجها النووي في غضون “سنة إلى ثلاث سنوات”، ونظامها “صمد بوجه محاولات الإسقاط”، والعين على الاتفاق المرتقب. وبتقدير طعمة، فإن عقدة التخصيب التي كانت تعرقل المفاوضات “زالت في الوقت الحالي”، لكن يبدو أن إيران “مصرّة” على العودة إلى النووي، لذلك فإن الولايات المتحدة “قد تعود” لاتفاق 2015.
بالعودة إلى وقف النار، بدأت الاتصالات بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفق ما تجمع مختلف التقارير الغربية، وقد تمكّن الأول من إقناع الثاني بوقف الحرب بعد تدمير سلسلة الإنتاج النووي الإيراني، أصفهان ونطنز وفوردو، ونقلت شبكة “سي أن أن” عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن إسرائيل وافقت على اتفاق وقف إطلاق النار بشرط أن توقف إيران هجماتها.
ثم انتقل ترامب من هاتف نتنياهو إلى هاتف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، وطلب منه التوسّط مع إيران وإقناعها بوقف النار. وقال مصدران مطلعان للشبكة الأميركية إن ترامب أبلغ أمير قطر اقتناع نتنياهو بالموافقة على وقف النار مع إيران، ووفق المسؤول في البيت الأبيض، فإن إيران وافقت شرط وقف الهجمات الإسرائيلية عليها.
تظاهرة ضد خامنئي (أ ف ب).
ترامب لم يكن وحيداً في الجهد الديبلوماسي، بل عمل معه نائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ماركو روبيو، ومبعوث الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، على التواصل مع الإيرانيين عبر قنوات مباشرة وغير مباشرة، وفقاً لمسؤول كبير في البيت الأبيض. وقال مسؤول أميركي إن سلسلة من المكالمات الهاتفية مع أمير قطر كانت محورية من الجانب الإيراني.
في هذا السياق، تواصل فانس مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي ضمن موافقة إيران على الاقتراح الأميركي لوقف النار خلال مكالمة هاتفية مع مسؤولين إيرانيين أجريت بعد الضربات الإيرانية على قاعدة جوية أميركية في قطر الاثنين، وفق ما نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر مطلع على المفاوضات.
صحيفة “واشنطن بوست” نقلت مزيداً من المعطيات عن اتفاق وقف النار، ونسبت إلى مسؤول أميركي أن الخطة الأساسية لاتفاق وقف النار جاءت من مناقشات مع مسؤولين إيرانيين، الذين أوضحوا لإدارة ترامب أنهم سيعودون إلى طاولة المفاوضات ومناقشة برنامجهم النووي شرط أن تتوقف إسرائيل عن قصفهم.
مسؤول في البيت الأبيض نسب اتفاق وقف النار إلى الضربات الأميركية على إيران، ونقلت عنه صحيفة “نيويورك تايمز” أن هذه العملية “كانت سبباً في تهيئة الظروف لمناقشة وقف النار”، في وقت نقلت “سي أن أن” عن مسؤول في البيت الأبيض أيضاً أن الاتفاق “لم يكن ممكناً” إلا بسبب الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية.
في المحصلة، فإن الوقع الأكبر كان للضربات الأميركية على المنشآت النووية، ووفق التقديرات، فإنها كانت “الضربة القاضية” التي من المفترض أنها حقّقت الهدف الأميركي لجهة إنهاء تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، والهدف الإسرائيلي بإنهاء البرنامج النووي بعد تدمير جزء من القدرات الصاروخية، والأنظار الآن نحو المفاوضات وما سيتبعها.