حبٌ متجدد: تجربة في فن البقاء في عالم محطم

حبٌ متجدد: تجربة في فن البقاء في عالم محطم

إيلي كرش 

 

 

“The love that’s been worn, torn, or discarded.”
“الحب الذي استُهلك، وتمزّق، أو تم التخلي عنه.”
بهذه الجملة الهادئة الصادمة، تفتتح الكاتبة سيلين عون كتابها الأولSecondhand Love ، فاتحة أمام القارئ نافذة على رحلة عميقة من التأمل في الحب والحياة والقدرة على الاستمرار في عالم فقد بريقه الأصلي.
لا تتحدث عون هنا عن الحب الرومانسي فحسب، بل تكشف جوهر التجربة الإنسانية في زمن صار فيه كل ما يحيط بنا باهتًا. ربما لأن الحياة صارت صعبة، أو ربما لأننا نحن كبشر أصبحنا أكثر قسوة، نصعّب كل ما نلمسه ونواجهه.
Secondhand Love  ليس قصة حب تقليدية، بل هو يوميات وشهادة ورحلة تبدأ بالحب، تمر بالخسارة، تغوص في الحزن، وتصل في النهاية إلى الشفاء. لكنه مسار غير مستقيم، مليء بالتعرجات والأسئلة المفتوحة. هو قصة قلب تكسّر إلى شظايا ملوّنة، كل خيط منها يحمل لون تجربة مختلفة. وعندما تتشابك هذه الخيوط، تنسج حكمة عميقة وخبرة ناضجة رغم قصر السنوات.
بصدقها ووعيها العميق، تقدّم سيلين عون شهادة حيّة لكل من مرّ بخيبة، خسارة أو فشل. ولكنها لا تكتفي بسرد الحزن، بل تدعو إلى بطولة من نوع مختلف: بطولة الاستمرار.
في عالمنا اليوم، البطولة الحقيقية تكمن في الاستمرار. وللاستمرار، نحن مضطرون الى أن نقبل كل ما تقدمه لنا الحياة –  من فشل ورفض وألم – ونحوّله إلى وسائل تساعدنا على عبور الطريق. حتى الحب، حين يُستهلك ويُعاد تدويره، يمكن أن يتحوّل إلى وسيلة للبقاء، وإلى مصدر متجدّد للحنان والفهم.
في هذا العمل، تدعونا عون لإعادة التفكير في علاقتنا مع النقصان واللاكمال. ففي زمن يقدّس الكمال والشباب والجديد، تجرؤ على الاحتفاء بما هو قديم، مستعمل وحتى مكسور، لأن في آثار الاستعمال تختبئ أعظم الحكايات. ومع كل فصل من فصول الكتاب، يشعر القارئ أنه ليس وحده، وأن هناك من يفهم معاناته ويواكبه بهدوء نحو ضوء خافت في نهاية النفق.
في جوهره، Secondhand Love  ليس فقط عن الحب، بل عن القدرة البشرية على استعادة المعنى بعد الخسارة. عن التصالح مع الندوب والزوائد المهترئة في أرواحنا، ورؤيتها كدليل على النجاة وليس الفشل. بهذا الطرح، تقدم لنا عون خريطة طريق للشفاء: تعترف بالحزن، لكنها تثبت أن الأمل ممكن.
ولعل قوة هذا الكتاب تكمن في صدقه وابتعاده من التجميل. هو لا يبيع أوهام الحلول السهلة، بل يروي الحقيقة كما هي: أن الحزن لا يمكن تجاوزه سريعاً، وأن الشفاء ليس لحظة بل مسار مستمر من ترميم الذات. ومع كل صفحة، يشعر القارئ أنه ممسوك بلطف، ومدعو لأن يؤمن بأن حتى الحب “المستعمل” قادر أن يدفعنا للأمام، بل ربما إلى أبعد مما حلمنا.
في عالم يزداد تعقيداً كل يوم، تقدم لنا سيلين عون أكثر من كتاب: تقدم شهادة بأن ما يبقى بعد خسارة الجديد والكامل لا يزال يستحق أن نعتني به، نعيد استعماله، ونحوّله إلى معنى جديد. وهنا قد يبدأ الحب الحقيقي. بصدقها ووعيها العميق، تقدّم سيلين عون شهادة حيّة لكل من مرّ بخيبة، خسارة أو فشل. ولكنها لا تكتفي بسرد الحزن، بل تدعو إلى بطولة من نوع مختلف: بطولة الاستمرار.