أولى خطوات تكامل التعليم العالي الجزائري مع التنمية

خلال الأيام القليلة الماضية قام وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري كمال بداري، بزيارة تفقدية لمدينة بو اسماعيل بمحافظة تيبازة الواقعة غرب العاصمة الجزائرية، حيث عاين أول مركز مدني متخصص بتكوين الإطارات المتخصصة في الطائرات المسيّرة من بعد، علماً أن هذا المركز الجهوي تابع لمركز البحث في التكنولوجيات الصناعية.
وفي زيارته الثانية الثلاثاء الماضي لمنطقة بابا علي بضواحي العاصمة، أعلن الوزير بداري عن مشروعين، بحيث تم تكريس الأول “لتقديم الحلول والتقنيات للزراعة وتربية الحيوانات” وذلك لفائدة وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، أما المشروع الآخر فيتعلق بـ”تحديث نظام التبريد في مجال تربية الدواجن”.
في هذا السياق بالذات، لاحظ عدد معتبر من المراقبين الجزائريين المتخصصين في شأن التعليم العالي والبحث العلمي، أن هذه الخطوات الإيجابية هي نتاج اهتمام السلطات الجزائرية برفع سقف موازنة التعليم العالي والبحث العلمي الذي تدعمه بنية تحتية تتمثل في 92 جامعة منتشرة عبر مختلف مقاطعات البلاد الجزائرية، ويدرس فيها أكثر من مليون و230 ألف طالب وطالبة ويتخرج منها سنوياً ما لا يقل عن ربع مليون طالب وطالبة.
وفي الحقيقة، فإن الوزير بداري، الذي يتمتع بخبرة بيداغوجية تدريساً وتسييراً إدارياً، عمل منذ تعيينه وزيراً للتعليم العالي والبحث العالي على تطعيم هذه المنظومة التعليمية بعدد من التخصصات، في التكنولوجيات والابتكارات العلمية والتقنية التي تربط البحث العلمي بالممارسة، وتجعل طلاب وأساتذة التعليم العالي يشاركون ميدانياً في عمليات التنمية بكل أنواعها.
هذا التوجه الذي يسلكه الوزير بداري يعوّض النقائص التي تعاني منها في الغالب منظومة التعليم المهني التي تشرف عليها وزارة التكوين المهني التي تحتاج إلى إعادة النظر في برامجها وطرائق التكوين، لكي تتوصل إلى تحقيق هدفين مترابطين هما ربط بيداغوجيات التكوين المهني وبرامجه بالتنمية الوطنية أولاً، وإعداد الإطارات المقتدرة التي تسند إليها مهمات إنجاز ما يدعى الصنائع التي تعتبر عصب العمران والحياة الاقتصادية والاجتماعية ثانياً.
وفي الواقع، فإن منظومة التعليم العالي الجزائري قد بدأت تشهد نقلة إيجابية في السنوات الأخيرة وبخاصة في عهد الوزير الحالي كمال بداري الذي شغل من قبل منصب أستاذ جامعي ثم منصب مدير جامعة البويرة.
ويرجع مراقبون جزائريون متخصصون في شؤون التعليم العالي بدايات هذا التحول، إلى الانفتاح الذي تشهده راهناً الجامعات والمدارس العليا والمراكز الوطنية الجزائرية على مستجدات العلوم الفلاحية والزراعية وتكنولوجيات الطيران وعلم الفلك وعلوم الفيزياء والكيمياء والطب وشتَى حقول العلوم الإنسانية، ولكن هناك إهمال غير مبرر للجماليات التي تؤسس للحضارة، وللتحليل النفسي العيادي بمختلف مدارسه النظرية.
وفي الحقيقة، فإن تأخر الجزائر في فتح نوافذ منظومة التعليم العالي والبحث العلمي على فضاءات التكنولوجيات والتقنيات وعلى مختلف الصنائع التي تعد ركيزة التنمية، يرجع أساساً إلى إخفاق خيار المدرسة الأساسية التي دشنت في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد واتخذت لنفسها نموذج المدرسة الأساسية الذي كانت تعمل به ألمانيا الديموقراطية قبل توحدها مع الشطر الألماني الغربي. ولكن هذا الخيار الجزائري لم توفر له شرائح المعلمين والأساتذة والمؤطرين ذوي الخبرة الجادة في التعليم التقني والتكنولوجي المتطور الذي كان العمود الفقري للمدرسة الأساسية الألمانية في ذلك الزمان.
إلى جانب هذا النقص كان هناك شبه انعدام للمختبرات، والآلات وشتى الأدوات الخاصة بإجراء التجارب التطبيقية الميدانية في المدارس والإكماليات الجزائرية.