ما السبب وراء دعم باكستان لإيران في مواجهة إسرائيل؟

في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، وفي أعقاب توتر عسكري مع الهند، برز موقف باكستان الداعم لإيران ضد العدوان الإسرائيلي.
لم يكن مفاجئاً أن تبدي باكستان تضامنها مع إيران كما فعلت الكثير من الدول بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة. لكن ما كان لافتاً هو حماسة الموقف وحدّته. فقد أبلغ رئيس الوزراء شهباز شريف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن بلاده “تقف مع الشعب الإيراني الشقيق ضد العدوان الإسرائيلي غير المبرر”.
ودعا وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف العالم الإسلامي إلى “التوحد ضد إسرائيل”. وأكد سياسة باكستان الراسخة بعدم الاعتراف بـ”إسرائيل”، مشيراً إلى أن بلاده لم تُقِم علاقات ديبلوماسية معها ولم تعترف بـ”تل أبيب”.
ولم تتأخر وزارة الخارجية الباكستانية في إصدار بيان رسمي يدين “الهجوم غير المشروع على إيران”.
ولكن لماذا تقف إسلام أباد مع إيران – حالياً – في منطقة حساسة مليئة بالتوترات والمصالح المختلفة؟
علاقة معقدة مع إيران
العلاقة بين باكستان ذات الأغلبية السنية وإيران ذات الأغلبية الشيعية معقدة، إذ تتأثر المنطقة الحدودية بهجمات الانفصاليين البلوش الذين يخوضون حرب استقلال ضد الدولة الباكستانية.
وفقاً للمراقبين، فإن أكبر مخاوف باكستان هي التداعيات المحتملة في بلوشستان، وهي مقاطعة غنية بالموارد الطبيعية ولكنها مضطربة. ويتهم جيش تحرير بلوشستان الحكومة المركزية الباكستانية باستغلال الموارد الطبيعية في المنطقة استغلالاً غير عادل.
وسبق أن اتهمت باكستان وإيران بعضهما البعض بإيواء جماعات مسلحة مسؤولة عن هجمات عبر الحدود على أراضيهما.
وكان آخر اندلاع للتوتر في كانون الثاني/يناير 2024، عندما شنت إيران ضربات صاروخية على إقليم بلوشستان الباكستاني، زاعمة أنها تستهدف جماعة جيش العدل الانفصالية. وردّت باكستان في غضون 24 ساعة، بقصف ما قالت إنه مخبأ للانفصاليين البلوش داخل الأراضي الإيرانية.
توصلت الجارتان إلى تسوية بعد هذا التصعيد القصير، وخلال الصراع العسكري القصير بين باكستان والهند في أيار/مايو، حرصت إيران على عدم الانحياز لأي من الطرفين.
لكن بعدما هاجمت إسرائيل إيران بشن غارات على منشآتها النووية واغتيال العديد من الجنرالات والعلماء النوويين الإيرانيين، سارعت باكستان إلى إدانة العمل الإسرائيلي.
وفيما أعربت باكستان التي تشترك في حدود طولها 905 كيلومترات مع إيران عبر مقاطعة بلوشستان الجنوبية الغربية، عن دعمها القوي لطهران، فقد أغلقت أيضاً خمسة معابر حدودية في بلوشستان اعتباراً من 15 حزيران/يونيو.
ويقول الخبراء إن السبب وراء قرار إغلاق الحدود بفعالية هو قلق باكستان على أمنها، إذ قد يكون لتصاعد الصراع واحتمال انهيار النظام الإسلامي في طهران تداعيات أمنية على إسلام أباد.
ومع ذلك، قال آصف إن إيران “هي جارة لنا وقد كانت لدينا علاقات جيدة معها لقرون. وفي ظل هذه الأزمة، سنقف إلى جانب إيران بكل الوسائل الممكنة وسندعم مصالحها على كل المنصات الدولية”.
وأفادت وكالة “بلومبرغ” بأن العلاقات النووية بين إيران وباكستان تعود إلى عقود. واتهمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة وآخرون عبد القدير خان، والد برنامج الأسلحة النووية الباكستاني، بتزويد إيران ودول أخرى بتصميمات ومكونات أجهزة طرد مركزي لبرنامج نووي.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث في “مركز الأهرام للدراسات السياسية” بشير عبد الفتاح، لـ”النهار”، إن “العلاقات بين إيران وباكستان موجودة، هما دولتان مجاورتان أيضاً، وهناك تنسيق بينهما في مجالات عديدة”.
مسلمون شيعة يهتفون بشعارات معادية لإسرائيل في كراتشي خلال مظاهرة ضد الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران، (ا ف ب).
علاقة متنامية بين الهند وإسرائيل
ولا تشكّل الجماعات المسلحة البلوشية الشاغل الوحيد الذي يقلق باكستان، الدولة النووية، وفقاً للخبراء.
ففي ظل محيط متوتر بالفعل وعلاقات غير مستقرة مع الهند، غريمة باكستان، قطع تحالف بين تل أبيب ونيودلهي شوطاً طويلاً، خاصة بعد وصول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى سدة الحكم عام 2014. واتسمت العلاقات بالشراكة وشهدت ازدياداً كبيراً في التعاون العسكري بين البلدين.
وخاضت الهند ذات الأغلبية الهندوسية وباكستان ذات الأغلبية المسلمة ثلاث حروب في الماضي، اثنتان منها بسبب منطقة كشمير التي يطالب كل منهما بالسيادة عليها بالكامل.
وبعد أربعة أيام من الهجمات المتبادلة بين البلدين بالصواريخ والطائرات المسيَّرة والمدفعية أسفرت عن مقتل نحو 70 شخصاً ونزوح الآلاف من كلا الجانبين في منطقة كشمير، أعلن الرئيس الأميركي في 10 مايو/أيار الماضي عن وقف إطلاق النار بين البلدين، وقال إنه منع “حرباً نووية” كان من الممكن أن تحصد “ملايين” الأرواح.
وصحيح أن انتهاء آخر جولة من جولات الصراع بين البلدين بعد وقت قصير من اندلاعها كشف براغماتية البلدين، وحرصهما على عدم التصعيد، لكن ما يثير مخاوف إسلام أباد هو تنامي العلاقات العسكرية بين الهند وإسرائيل، وانعكاس ذلك على ميزان القوى مع جارتها
نيودلهي، خاصة أن إسرائيل أصبحت ثالث مورّد للسلاح إلى الهند بعد روسيا وفرنسا، وفي الفترة ما بين عامي 2019 إلى 2023، أصبحت الهند أكبر مستورد للأسلحة من إسرائيل بنسبة بدأت بنحو 15% ووصلت إلى 37% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية.
وفي هذا الصدد، يؤكد عبد الفتاح أن “انخراط باكستان الإعلاني في الأزمة الحالية بين إيران وإسرائيل مرده وقوف إسرائيل إلى جانب الهند في المواجهات الأخيرة بين الهند وباكستان”.
مخاوف على أمنها الإقليمي
في الذهنية الباكستانية، هناك رابط عميق بين ما يحدث لإيران اليوم وما قد تواجهه باكستان غداً: حين تُستهدف إيران، يشعر القادة الباكستانيون أن الخط التالي قد يكون أقرب إلى حدودهم مما يظنه البعض. في هذا الصدد، تكتسب تصريحات باكستان بعداً مختلفاً وليس فقط تضامناً دينياً أو سياسياً، هناك رسالة أمنية مفادها بأن هجوم على إيران ليس شأناً بعيداً وهو تهديد واضح لأمنها الإقليمي.
ويقول عبد الفتاح إن انخراط باكستان الإعلاني سببه أيضاً “تصريحات سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن السلاح النووي الباكستاني يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل وعليها أن تخطط للتخلص منه، ووجود معلومات استخباراتية سابقة لدى باكستان بأنه كان هناك محاولات إسرائيلية هندية من أجل التخلص من السلاح النووي الباكستاني أو منع باكستان من إنتاج السلاح النووي أصلاً”.
ويضيف: “لذلك هناك استياء لدى باكستان من التقارب الإسرائيلي الهندي ضدها، حتى أنه دفعها إلى استنفار الدول الإسلامية جميعاً للتحالف من أجل مواجهة هذا التحالف الإسرائيلي الهندي”.
وبينما تواصل إسرائيل وإيران ضرب أراضي بعضهما البعض، فإن باكستان التي لا تعترف بإسرائيل وتعتبرها عدواً لدوداً، تخشى أن يتزايد النفوذ الإسرائيلي على حدودها، خاصة بعدما قال نتنياهو إن إسرائيل تسيطر على المجال الجوي الإيراني.
ومنذ الهجمات الإسرائيلية على إيران فجر الجمعة الماضي، يتداول باكستانيون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقابلة مع نتنياهو تعود إلى عام 2011، يقول فيها إن إيران وباكستان تشكّلان تهديداً لإسرائيل، وإن إسلام أباد ستكون الهدف التالي بعد طهران، وإن مهمته الكبرى هي منع الأنظمة الإسلامية من الحصول على الأسلحة النووية.
موقف باكستان الداعم لإيران يعكس قلقاً عميقاً على أمنها الإقليمي وسط تصاعد التوترات والهجمات الإسرائيلية. هذا الدعم يحمل رسائل استراتيجية متعددة الأبعاد، خصوصاً في ظل العلاقات المعقدة مع الهند والنفوذ المتزايد لإسرائيل في المنطقة.