تأثيرات الحرب على مصر: تنفيذ استراتيجيات الطوارئ بعد انقطاع الغاز الإسرائيلي

تأثيرات الحرب على مصر: تنفيذ استراتيجيات الطوارئ بعد انقطاع الغاز الإسرائيلي

ألقى تصاعد وتيرة الصراع في منطقة الشرق الأوسط بمزيد من الأعباء على كاهل القاهرة التي تواجه صعوبات في تأمين احتياجاتها من الطاقة منذ نحو عامين. وجاء إعلان إسرائيل وقف صادراتها من الغاز الطبيعي إلى مصر عقب اندلاع المواجهات العسكرية بينها وبين إيران، ليشكّل ضغطاً إضافياً على الحكومة المصرية.
ويقول الخبير البترولي الدولي الدكتور رمضان أبو العلا لـ”النهار”: “كانت مصر تستورد قرابة 800 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز الإسرائيلي، ثم خفضت إسرائيل هذه الكميات إلى 600، ثم 400 مليون قدم مكعب، قبل أن تتوقف تماماً بسبب ظروف الصراع بين إسرائيل وإيران”.
الخبير الذي شارك في لقاء مع وزير البترول المصري المهندس كريم بدوي، يوم الإثنين، ضمن مجموعة من كبار الإعلاميين وخبراء الطاقة، أشار إلى أن “الوزير أكد أنه من المتوقع، بعد توقف المواجهات العسكرية، أن تعود الإمدادات إلى سابق عهدها”، لافتاً إلى أن “مصر لديها رغم ذلك خطط بديلة جاهزة”.
وفي سياق متصل، نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن وزير الطاقة إيلي كوهين، الأربعاء، قوله إن “وقف تصدير الغاز قرار موقت، وقد يُستأنف خلال ساعات أو أيام”.
وتستهلك مصر نحو 6 مليارات قدم مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، وكانت واردات الغاز من إسرائيل – في ذروتها – تمثّل نحو 13% فقط من حجم الاستهلاك. وتنتج مصر حالياً نحو 5 مليارات قدم مكعب يومياً.

خطط بديلة قيد التفعيل
وقال وزير البترول المصري، الثلثاء، إن “مصر ماضية في خططها لتنويع مصادر الإمداد بالطاقة، وإن مشروعات التعاون المشترك بين دول المنطقة تمثل أفضل السبل لتأمين تلك المصادر وخلق قيمة مضافة لشعوب المنطقة كافة”.
كذلك، أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية بدء “تفعيل خطة الطوارئ المعدة سلفاً، والخاصة بأولويات الإمداد بالغاز الطبيعي”، وذلك “استجابةً للأعمال العسكرية التي نشبت في المنطقة، وتوقُّف إمدادات الغاز من الشرق”، في إشارة إلى إسرائيل.
وتتضمن الخطة وقف إمدادات الغاز لبعض الأنشطة الصناعية، وزيادة اعتماد محطات الكهرباء على المازوت إلى أقصى كمية متاحة، مع التنسيق لتشغيل بعض المحطات بالسولار، كإجراء احترازي للحفاظ على استقرار شبكة الغاز، وتجنّب اللجوء إلى تخفيف أحمال الكهرباء، وفقاً لما أعلنته الوزارة مؤخراً.

من التصدير إلى الاستيراد
وفتحت الأزمة الراهنة باب التساؤلات بشأن أسباب تحوّل مصر من بلد مكتفٍ ذاتياً ويصدّر الغاز الطبيعي، إلى مستورد له. وكانت مصر قد شهدت قفزة كبيرة في إنتاج الغاز وتصديره عقب اكتشاف حقل “ظُهر” الضخم في شرق البحر المتوسط.
بدأ إنتاج الحقل عام 2017، وأعلنت الحكومة حينها أن احتياطاته تُقدّر بنحو 30 تريليون قدم مكعب، وسعت القاهرة إلى التحوّل إلى مركز إقليمي لتصدير الطاقة، مستفيدة من بنيتها التحتية المتطورة لإسالة الغاز، وشبكة من الأنابيب القائمة أو قيد الإنشاء، بالإضافة إلى اتفاقيات أبرمتها مع دول عدة.
وصَدَّرت مصر شحنات كبيرة من الغاز المُسال إلى أوروبا، لا سيما بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية عام 2022، وبلغت قيمة الصادرات نحو 8 مليارات دولار خلال عام واحد. غير أن الإنتاج شهد انخفاضاً مفاجئاً عام 2023، خاصة في حقل “ظُهر”، ما أجبر القاهرة على وقف التصدير، والاعتماد على الغاز الإسرائيلي المستورد، الذي بدأت في استيراده منذ عام 2020، لتغطية احتياجاتها الداخلية.
ويشير الدكتور رمضان أبو العلا إلى أن أسباب هذا التحوّل عديدة، أبرزها تعثّر الدولة في سداد مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في قطاع الطاقة بالدولار، ما دفع هذه الشركات إلى تقليص الإنتاج والاستكشاف.
وقد بدأت أزمة توفير الدولار منذ عام 2022، بسبب تراجع عائدات السياحة وارتفاع أعباء الدين الخارجي، على خلفية جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وتفاقمت مع اندلاع الحرب في غزة التي أثّرت على عائدات قناة السويس التي تراجعت بنحو 60%.

الوافدون يفاقمون استهلاك الطاقة
ويُلفت أبو العلا إلى أن تدفّق ملايين الوافدين إلى مصر شكّل عبئاً إضافياً على استهلاك الطاقة. إذ تستضيف مصر قرابة 9 ملايين وافد من السودان وسوريا ودول أخرى تشهد صراعات مسلحة، يعيش معظمهم وسط السكان المحليين، ويستخدمون المرافق العامة من دون تمييز.
ويقول الخبير: “هذا الواقع رفع معدلات استهلاك كل السلع والخدمات، وعلى رأسها الطاقة، وباتت الدولة ملزمة بتوفير احتياجات الضيوف، إلى جانب التزاماتها تجاه الزيادة السنوية في عدد السكان، التي تقارب مليوني نسمة سنوياً”.