روسيا ودورها في الصراع القائم بين إسرائيل وإيران وتأثيراته على المنطقة

د. خالد العزي
شهدت الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط خلال عام 2025 تصعيداً خطيراً في النزاع بين إسرائيل وإيران، إثر هجمات عسكرية إسرائيلية على منشآت إيرانية نووية وصاروخية. في هذا السياق، برز موقف روسيا كفاعل رئيسي يسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين دعم حليفها الاستراتيجي إيران والحفاظ على علاقاتها الاقتصادية والأمنية المهمة مع إسرائيل. وتعكس هذه الدينامية التحديات التي تواجه موسكو في إدارة ملف معقد يتداخل فيه الأمن الإقليمي بالديبلوماسية الدولية.
ففي 13 حزيران/ يونيو 2025، أدانت روسيا بشدّة الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية، معتبرةً إياها خرقاً صارخاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، حيث أكّدت وزارة الخارجية الروسية أنّ هذه الضربات تعرقل الجهود الديبلوماسية الرامية إلى معالجة البرنامج النووي الإيراني السلمي. موسكو، الحليف الرئيسي لطهران، حذّرت من أن هذا التصعيد قد يؤدّي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي، ودعت جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب الانزلاق إلى حرب شاملة.
لقد سبقت هذا التصعيد تحذيرات روسية لإسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، حيث اعتبرت موسكو أي ضربة للمنشآت النووية الإيرانية خطوة “كارثية” قد تقوِّض السلامة النووية، مؤكدة أنّ إيران لا تسعى للتصعيد، وأنّ موسكو أبلغت إسرائيل بذلك عبر القنوات الديبلوماسية.
تمتلك روسيا علاقات معقدة ومتعددة الأبعاد مع إسرائيل، تشمل التعاون الاقتصادي والأمني، بالإضافة إلى قنوات تواصل سياسية واستخباراتية نشطة. رغم دعمها السياسي والعسكري لإيران، تسعى موسكو للحفاظ على هذه العلاقات مع إسرائيل، خاصة في ظل التنسيق غير المباشر بين البلدين بشأن العمليات العسكرية في سوريا. وهذا الواقع يفرض على روسيا اتخاذ موقف متوازن، يعكس دعمها لطهران مع تجنب الانحياز الصريح الذي قد يضر بعلاقاتها مع إسرائيل.
وهنا يُظهر الموقف الرسمي الروسي دعماً مستمراً لإيران، لا سيما في إطار تحالفهما في سوريا، مع دعوات متكررة إلى الحلول الديبلوماسية والابتعاد عن التصعيد العسكري. دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على سبيل المثال، إيران إلى ردّ محدود بعد اغتيال إسماعيل هنيّة، مع التشديد على تجنب استهداف المدنيين الإسرائيليين.
تسعى روسيا إلى الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها الإقليمية، محذرة من أي توتر قد يؤدّي إلى انزلاق الصراع إلى أبعاد أشدّ خطورة. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، حذّر المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف من محاولات إسرائيل استغلال الوضع لصالحها، مؤكداً رفض موسكو لأي اجتياح إسرائيلي للجنوب السوري، ومهدداً برد فعل سلبي روسي في حال حدوث ذلك.
ديبلوماسياً، وافق بوتين على طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آذار/ مارس 2025 الوساطة بين واشنطن وطهران، مؤكداً ضرورة حل القضايا العالقة عبر التفاوض، رغم رفض إيران المباشر للتفاوض مع الولايات المتحدة.
لذا ترى روسيا أنّ التصعيد العسكري قد يؤدي إلى انهيار الاستقرار الإقليمي، ما يضر بمصالحها الاستراتيجية، ويزيد من المخاطر الأمنية في المنطقة. وتدعو روسيا إلى التفاوض للحفاظ على السلام ومنع مواجهة عسكرية شاملة، فضلاً عن تعزيز دورها كوسيط دولي قادر على إدارة الأزمات الإقليمية الكبرى.
ورغم العلاقات الوثيقة مع إيران، لم تفعّل روسيا اتفاقية الدفاع المشترك لأسباب منها الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية، والرغبة في الحفاظ على توازن علاقاتها مع إسرائيل والدول الغربية. كذلك تواجه روسيا تحديات اقتصادية خاصة بها، ما يجعلها حذرة في الالتزام باتفاقيات مالية قد تزيد من تعقيد وضعها.
انهيار النظام الإيراني سيترك فراغاً أمنياً وسياسياً هائلاً يهدّد استقرار الحدود مع دول الجوار، ويزيد من انتشار الفوضى والهجرة الجماعية والجماعات المسلحة. كما سيتسبب ذلك بضغط أمني على روسيا خاصة في آسيا الوسطى والقوقاز، بالإضافة إلى تداعيات اقتصادية سلبية نتيجة تراجع التعاون مع إيران. هذا الانهيار سيغيّر موازين القوى الإقليمية، ويزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة، ما يشكل تحدياً لروسيا التي تسعى لاستغلال الفرص لتجنب الفوضى.
فروسيا تواجه معضلة استراتيجية في التعامل مع النزاع بين إسرائيل وإيران، فهي تحاول دعم حليفها الإيراني مع الحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل، والابتعاد عن التصعيد العسكري الذي قد يضر بمصالحها، لذلك تعمل روسيا على تطوير الوساطة بين الأطراف المتحاربة نظراً للعلاقات القوية التي تربطها بهما بالإضافة إلى تقديم نفسها أمام ترامب كوسيط إيجابي يعمل على دفع إيران للجلوس على طاولة المفاوضات وتوقيع اتفاقية مع الولايات المتحدة بحسب شروطها، فالمسعى الروسي يقوم على الحلول الديبلوماسية لا دفع الأمور للاشتعال؛ فموسكو تدرك أنّ انهيار النظام في إيران سيؤثر على مناطق آسيا الوسطى التي تملك روسيا فيها نفوذاً قوياً، وكذلك استمرار الحرب وضرب المفاعلات النووية قد تتطاير إشعاعاته إلى روسيا ودول الخليج العربي.
إنّ موقف موسكو يعكس سعيها إلى القيام بدور الوسيط في الأزمة، والحفاظ على استقرار الشرق الأوسط الذي ينعكس بدوره على استقرار مصالحها في المنطقة وعلى الساحة الدولية. وفي ظل تعقيد المشهد الديبلوماسي، يبقى مستقبل هذا النزاع مرتبطاً بقدرة الأطراف على التفاوض وتجنب التصعيد الذي قد يحوّل المنطقة إلى بؤرة صراع أوسع.
من هنا كانت رسالة بوتين إلى المرشد ضمن الوساطة بالحفاظ على النظام والذهاب نحو طاولة المفاوضات والتوافق مع ترامب الذي يسعى للتفاوض ضمن شروطه، لكن يبدو أنّ بنيامين نتنياهو جُنّ جنونه ولا أحد يستطيع إيقافه في تنفيذ مخططه بإزالة النظام الإيراني وروسيا عاجزة عن المساعدة بسبب العديد من المشاكل التي تحيط بها وفي طليعتها حربها في أوكرانيا.