بين تدمير الأسلحة النووية والانفجار الداخلي: احتمالات الحرب الإسرائيلية ضد إيران

مرّت خمسة أيام على الهجوم الإسرائيلي على إيران، والردود الصاروخية الإيرانية على تل أبيب وحيفا. بدأت العملية باغتيال عدد من القادة العسكريين الإيرانيين الكبار، فجر الجمعة، وتواصلت بهجمات جوية وصاروخية استهدفت مواقع عسكرية وسكنية حتى ليلة أمس. وفي هذا السياق، تتبلور رؤيتان رئيسيتان لتفسير أهداف هذا الهجوم العسكري:
السيناريو الأول: استهداف القدرات النووية والصاروخية
يفترض هذا السيناريو أن الهجمات تهدف إلى توجيه ضربة قاصمة للقدرات النووية والصاروخية الإيرانية، بدعم كامل من الولايات المتحدة. وستتواصل العمليات العسكرية إلى حين التأكد من تحقيق هذا الهدف، حتى لو كان الثمن تدمير مناطق سكنية وسقوط أعداد كبيرة من المدنيين.
ويُعتقد أن هذا السيناريو هو ما يُنفذ حالياً، إذ أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون مراراً أن الهجمات ستستمر حتى القضاء التام على القدرات النووية والصاروخية الإيرانية. وتشير التقديرات إلى أن الهدف المقبل قد يكون مهاجمة موقع “فوردو” النووي المحصّن تحت الأرض، إذ تأتي الهجمات الكثيفة والمتواصلة على مواقع صاروخية ودفاعية تمهيداً لهذه العملية. ويرى مراقبون أن إسرائيل لا تمتلك القدرة العسكرية الكافية لتنفيذ هذه المهمة بمفردها، وتسعى إلى التعاون مع الولايات المتحدة والاستفادة من قاذفات القنابل الأميركية المتطورة.
في بداية الهجوم، ادّعت واشنطن أنها لا تتدخل في العمليات الإسرائيلية. إلا أن منشورات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي أعادت خلط الأوراق، إذ بدا أن الولايات المتحدة أصبحت فعلياً جزءاً من غرفة العمليات ضد إيران، حتى لو لم تعلن الحرب رسمياً. تصريحات ترامب التي دعا فيها إيران إلى “الاستسلام غير المشروط” لمطالب واشنطن، عكست اصطفافاً واضحاً مع الرؤية الإسرائيلية، وأعطت مؤشرات إلى احتمال انخراط أميركي مباشر في الحرب خلال الأيام المقبلة. وفي حال تحقّق ذلك، يُتوقع أن توسّع إيران نطاق هجماتها الصاروخية لتشمل القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، ما سيُدخل النزاع مرحلة أكثر خطورة.
دخان أسود يتصاعد من أحد المواقع المستهدفة في طهران. (ا ف ب)
السيناريو الثاني: تمهيد لانهيار النظام الإيراني
ترى هذه الرؤية أن الهجمات العسكرية ليست سوى مقدّمة لإسقاط النظام في إيران. ففي مقابلة مع قناة “إيران إنترناشيونال”، وصف نتنياهو الجمهورية الإسلامية بأنها “العدو الحقيقي”، مدعياً أن إسرائيل والشعب الإيراني “يقفان في خندق واحد”. هذا الخطاب يكشف عن هدف إسرائيلي يتجاوز تدمير البنية التحتية النووية والصاروخية، نحو تأجيج الفوضى الداخلية من خلال الاحتجاجات والإضرابات، مستفيداً من حالة السخط الشعبي داخل البلاد.
على سبيل المثال، دعا رضا بهلوي، نجل الشاه السابق والقريب من نتنياهو، الإيرانيين صراحة إلى الثورة ضد النظام، وذلك في رسالة مصوّرة بثها مساء الثلاثاء. إلا أن هذا السيناريو يصطدم بعقبات جوهرية عدة:
1. تعزيز الروح الوطنية المناهضة لإسرائيل:
مع مقتل أكثر من 200 إيراني، معظمهم من المدنيين، في الهجمات الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، تصاعدت المشاعر المناهضة لإسرائيل. حتى المعارضين والمنتقدين للنظام توحّدوا حول مفهوم “الوطنية الإيرانية”، وعبّروا عن قلقهم إزاء الدمار الذي لحق بالبنية التحتية والخسائر البشرية، مطالبين بوقف النار. ونتيجة لذلك، تُعتبر أي احتجاجات في الوقت الراهن بمثابة “تعاون مع العدو الخارجي”.
2. تشتت سكان طهران:
من المعروف أن طهران هي مركز أي حركة احتجاجية كبرى في إيران. لكن الهجمات الجوية التي استهدفت العاصمة دفعت أعداداً كبيرة من سكانها إلى مغادرتها، فتحوّلت إلى مدينة شبه خالية، ما يصعّب تنظيم أي حراك شعبي أو عصيان مدني في هذه الظروف.
3. استمرار فعالية الأجهزة الأمنية:
على رغم مفاجأة العمليات العسكرية الإسرائيلية وكثافتها، لم يؤدّ ذلك إلى شلل الأجهزة الأمنية الإيرانية، في ظل نشاط عناصر مرتبطة بالموساد داخل إيران، ما قد يفسر بعض الاغتيالات الأخيرة. وفي المقابل، أصدر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بياناً حذر فيه من أن أي تعاون مع إسرائيل سيُواجَه بأشد العقوبات، وأكدت الجهات القضائية والأمنية هذا التهديد في مناسبات متعدّدة خلال الأيام الأخيرة.
وعليه، في المدى القريب، لا يبدو أن هناك أرضية حقيقية لاحتجاجات أو اضطرابات داخلية تُواكب العدوان العسكري الخارجي على إيران. وحتى في حال اندلاعها، فإنها ستبقى محدودة التأثير، ما دامت مؤسسات النظام تتصرف بقدر من الحذر ولا ترتكب أخطاء استراتيجية جسيمة.