تكنولوجيا الردع بين إسرائيل وإيران: ما هي الأسس التي تقوم عليها دفاعاتهما الجوية؟

في خضمّ الحرب التي شنّتها إسرائيل على إيران، باتت أنظمة الدفاع الجوّي في قلب المعركة، لا كأدوات ردع فحسب، بل كمؤشرات على موازين القوى بين الجانبين. وبينما تستند إسرائيل إلى ترسانة متقدمة ومتعددة الطبقات كلفتها مليارات الدولارات، تجد إيران نفسها مدفوعة بتطوير أنظمة دفاع محلية تحت ضغط العقوبات، في محاولة لبناء مظلة تحمي سماءها وتثبت حضورها في ساحة تتسارع فيها وتيرة الهجمات الجوية. ومع تعاظم تهديدات الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، تتكشف نقاط القوة والضعف لدى كل طرف، لتحدد شكل المواجهة المقبلة.
يقول جو تروزمان، المحلل في مجلة “لونغ وور جورنال”: “إن أحد أكثر التكتيكات فعاليةً لإلحاق أقصى ضرر بالجبهة الداخلية الإسرائيلية هو إغراق أنظمة دفاعها الجوّي”.
ويضيف أن “إسرائيل لن يكون أمامها سوى فرصة قصيرة لكشف هذا التهديد الوشيك وتقييمه والرد عليه”
. فماذا نعرف عن الدفاعات الإسرائيلية؟
القبّة الحديدية:
تُعدّ منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية الأشهر، وتُطلق صواريخ اعتراضية لإسقاط الصواريخ القصيرة المدى، بمدى يصل إلى 70 كيلومتراً.
مقلاع داوود:
يُمكن لهذا السلاح الثابت إسقاط الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز القصيرة والمتوسطة المدى. يبلغ مداه نحو 185 ميلاً (نحو 300 كيلومتر). وفي يوليو/ تموز 2018، قالت صحف إسرائيلية إن نظام مقلاع داوود استُخدم لأول مرة بعد أن بدأت إسرائيل بتطويره في عام 2006.
سهم 2 و3 أو “آرو 2 و3”:
يحمي النظام من الصواريخ الباليستية، ويُمكن لسهم 2 اعتراض الأهداف في الغلاف الجوي، على ارتفاع نحو 30 ميلاً ومدى نحو 60 ميلاً (نحو 100 كيلومتر). أما سهم 3 فيتجاوز الغلاف الجوي إلى الفضاء، بمدى يصل إلى 1500 ميل (نحو 2400 كيلومتر).
الشعاع الحديدي:
طُوّر هذا الليزر العالي القدرة لاعتراض الصواريخ والطائرات بدون طيار والصواريخ المضادة للدبابات. بدأ تفعيله لأول مرة في الميدان بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر عام 2023.
الدمار في تل أبيب (المصدر: أ ف ب).
ما أكبر التهديدات لدفاعات إسرائيل؟
يأتي أحد أخطر التهديدات التي تشكلها إيران من صواريخها الباليستية الثقيلة، التي تحلق على حافة الفضاء بسرعة تفوق سرعة الصوت بأضعاف مضاعفة. ويمكنها عبور مسافة 1000 ميل تقريباً بين إيران وإسرائيل في دقائق معدودة. ولا تُصيب أنظمة الدفاع الصاروخي مثل آرو 3، التي لديها إمدادات محدودة من الصواريخ الاعتراضية الباهظة الثمن، أهدافها الباليستية دائماً.
وقد يستغرق إنتاج ما يكفي من الصواريخ الاعتراضية للحفاظ على مخزونها بشكل موثوق سنوات، وقد “كانت إسرائيل تستهلكها”، كما قال توم كاراكو، مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.
يُذكر أنه بعد أيام من إطلاق إيران وابلاً من نحو 180 صاروخاً باليستياً على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول، أرسلت الولايات المتحدة نظام الدفاع الجوي الصاروخي العالي الارتفاع “ثاد”، لتعزيز الدفاعات الإسرائيلية. ثاد هو نظام اعتراضي أرض-جو متحرك مصمّم لإسقاط الصواريخ الباليستية القادمة، التي يمكن لراداره اكتشافها من مسافة تزيد عن 1800 ميل وضرب الأهداف القادمة داخل الغلاف الجوي للأرض وفوقه.
ماذا عن ترسانة إيران الدفاعية؟
قبل أشهر كان رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة اللواء محمد باقري، الذي اغتيل فجر الجمعة، قد صرح بأن شبكة الدفاع الجوي “مظهر من مظاهر كرامة وعزة القوات المسلحة”. وفي تقرير عن أنظمة الدفاعات الجوية الإيرانية، كشفت “إندبندنت فارسية” عن امتلاك طهران عدداً كبيراً من أنظمة الدفاع الجوي، لكنها لم تكُن نقطة قوتها حتّى اليوم. فماذا يوجد ضمن أنظمة الدفاع الإيرانية؟
في البداية، تنقسم أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية إلى 3 أقسام، وهي: منظومات دفاعية بعيدة المدى، منظومات متوسطة المدى، منظومات دفاع جوي قصيرة المدى.
تمتلك إيران نظام “أس-300” الروسي، وكشفت عن نظام “باور-373” الذي يستخدم الصاروخ الأحدث “صياد 4 بي”، الذي صُمّم لمهاجمة واعتراض الأهداف الجوية على مسافة تصل إلى 300 كيلومتر.
كذلك تمكنت طهران من تصنيع وتحديث أنظمة أخرى من بينها “مرصاد”، أما النسخة الأحدث لهذا النظام الدفاعي فهي “مرصاد-16” وتُعرف أيضاً بـ”كمين”، وتتمتع بنظام دفاعي قصير المدى ومتحرك، بالإضافة إلى امتلاكها مجموعة واسعة من الأنظمة الأخرى وصواريخ أرض- جو أيضاً، من بينها نظام “أس-200” الروسي ومنظومة “خرداد-15“ ونظام “Tor-M1” الروسي.
صنّعت إيران أيضاً نظام “تلاش” في 2013 الذي يستخدم صاروخَي “صياد-2” و”صياد-3″، وتزامناً مع الكشف عنه، أعلنت عن نظام “رعد”، ثم عن نظام “سوم خرداد”. وأعلنت في وقت سابق من العام الماضي عن تصنيع نظام “آرمان” أو “الصياد التكتيكي”، كما كشفت عن نظام “آذرخش”.
أما عن التكهنات حول امتلاكها نظام “أس-400” الروسي، فقبل أشهر، كان قد نفى العميد داود شيخيان، أحد كبار قادة الحرس الثوري الإيراني الذي اغتيل فجر الجمعة، وتحديداً المسؤول عن قيادة منظومة الدفاع الجوي ضمن القوة الجو-فضائية، تقديم طهران طلباً للحصول على منظومة الدفاع الجوي الروسية “أس-400″، معتبراً أن الأنظمة الموجودة لدى الحرس الثوري “تفوق قدرات أس-400 بكثير”.
رغم تفوّق إسرائيل التكنولوجي في مجال الدفاع الجوّي، فإن تعقيدات الحرب الحديثة، خصوصاً أسلوب “إغراق الأنظمة الدفاعية”، يضعها أمام تحديات. في المقابل، ورغم محدودية قدرات إيران من حيث الاستشعار والإنذار المبكر، فإنها أثبتت قدرة في تطوير أنظمة دفاعية محلية ومتنوعة، رغم العقوبات التي تُفرض عليها والحد من وصولها إلى التكنولوجيا المتقدمة.