عراقجي أعد لنجاح المفاوضات مع أمريكا… هل ستحبطها نتنياهو الآن؟

هاجم وزير خارجية إيران عباس عراقجي ما وصفه بـ”فريق بايدن الفاشل” لأنه عجز عن التوصل إلى اتفاق مع إيران. جاء ذلك في منشور على منصة “تويتر” نُشر في 22 نيسان/أبريل الماضي. المفارقة هي أن هذا الهجوم جاء من دولة تحظر رسمياً منصات التواصل الاجتماعي، ولا تستطيع غالبية مواطنيها الوصول إليها إلا من خلال أدوات تجاوز الخطر مثل الشبكات الخاصة الافتراضية (VPNs). رغم ذلك تبنى عراقجي ديبلوماسية “تويتر” في أدائه الرسمي رئيسا للمفاوضين النوويين، مستلهماً الأسلوب الذي اعتمده ترامب في ولايته الأولى.
يُتقن عراقجي الإنكليزية، ويحمل شهادة دكتوراه من إحدى جامعات بريطانيا، ويتمتع بفهم عميق للخطاب السياسي الأميركي. من خلال محاكاة أسلوب ترامب في التواصل، برز بصفته ديبلوماسيا بارعا يسعى إلى تعزيز فرص التوصل إلى اتفاق نووي جديد تحتاج إليه طهران وتعمل له، وذلك في تناقض صارخ مع الخطاب التصعيدي الذي تبناه النظام الإيراني خلال الرئاسة الأولى لترامب.
في هذا المجال تفيد مؤشرات عدة أن الديبلوماسيين الإيرانيين درسوا خطابات ترامب وأسلوب تفاوضه عن كثب. ويُشاع أنهم أعدوا ملفاً خاصاً عنه. لا شك في أن طهران تتابع عن كثب طريقة عمل إدارة ترامب الثاني مع مفاوضات روسيا وأوكرانيا، وتستخلص منها دروساً عن طريقة الرد على السياسات الأميركية من دون أن تبدو متصلبة أو متعدّية لترامب بما قد يدفعه إلى الانسحاب من أي مفاوضات. في هذا المجال، لوحظ أن النُسخ غير المصرّح عنها من كتاب “ترامب” الأكثر مبيعاً عام 1987 (ترامب فن الصفقة) بدأت تنفد مجددا من رفوف المكتبات الإيرانية.
يُذكر هنا أن سلف عراقجي محمد جواد ظريف في وزارة خارجية بلاده تلقّى تعليمه في الولايات المتحدة وعمل وزيراً للخارجية في ولاية الرئيس روحاني، وكان أبرز مهندسي الاتفاق النووي لعام 2015. عمل أيضاً مع رئيس الجمهورية الجديد مسعود بزشكيان، لكنه “اضُطر” إلى الانسحاب لأسباب معروفة تحت ضغط المتشدّدين.
ماذا فعل عراقجي في المباحثات النووية الأخيرة بين بلاده وأميركا وترامب؟ عمل استناداً إلى باحث أميركي بارز على صياغة سردية إعلامية مدروسة لجذب انتباه ترامب وقاعدته الانتخابية. حاول مخاطبة الغرائز التجارية لترامب ووصف إيران بأنها فرصة التريليون دولار للولايات المتحدة، علماً أن العوائق أمام الاستثمار الأجنبي في إيران ستبقى كبيرة جرّاء البيروقراطية المعقّدة والمخاطر الجيوسياسية والفساد داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية. والأكثر أهمية هنا هو إخفاق طهران في الامتثال لـ”فرقة العمل المالي المراقب الدولي الرئيسي لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
عراقجي (ا ف ب)
في هذا المجال، أعدّ عراقجي “ملاحظاته الرسمية” للحديث عنها في مؤتمر السياسة النووية الدولي الذي نظمته “كارنيغي” في 22 نيسان/أبريل الماضي. لكنه لم يُلقها جرّاء إلغاء مشاركته في اللحظة الأخيرة إثر محاولات فريقه فرض قيود غير مرة على الحدث. لكنها نُشرت لاحقاً وقد تضمنت نفياً لروحية “بعض مجموعات المصالح الخاصة” (محافظون جدد) وهو أن الاتفاق النووي الجديد الذي يتم التفاوض حوله هو مجرّد نسخة من اتفاق أوباما JCPOA. وفي مناسبات أخرى، حرص عراقجي على عدم تحميل ترامب مسؤولية التوترات الديبلوماسية مع بلاده، خلافاً لطريقة تعامل ظريف مع إدارة ترامب. إلى ذلك، حاول عراقجي في مناسبات عدة إحداث فجوة بين ترامب وإسرائيل العدو اللدود لطهران. كان ذلك في 5 أيار/مايو الماضي. واتهم نتنياهو بمحاولة فرض إرادته على ترامب في ملف الديبلوماسية مع إيران. واعتبر أن الأخير خدع فريق بايدن الفاشل بتقديم 23 مليار دولار لإسرائيل، وهي أموال دافع الضرائب الأميركي. كان ذلك في أثناء حرب غزة. كذلك اتهمه بتشويه المفاوضات الأخيرة غير المباشرة بين إدارة ترامب وإيران، مصوراً إياها نسخة مطابقة لـJCPOA.
كان الهدف من حملة عراقجي الإيجابية جذب ترامب والتأثير في موقفه من إيران، مع تغطية مهمة على الواقع الاقتصادي الصعب في بلاده، والقمع الداخلي للإيرانيين. طبعاً هذا الكلام الإيجابي قيل في أثناء الإعداد للتفاوض غير المباشر بين ترامب وإيران السيد خامنئي. لكنه بعد انتهاء الـ60 يوماً التي وضعها ترامب لنجاح المفاوضات أو فشلها ومعرفته الوثيقة بأن نتنياهو صار جاهزاً جداً لحرب قريبة على إيران، لم “يمنع” الأخير من مباشرته الحرب بعد أيام قليلة. وهي لا تزال مستمرة. طبعاً يؤيّد ترامب نتنياهو ويدعمه، لكنه يراقبه عن قرب ويتابع حربه الإيرانية ووضعه الداخلي بعد بدء تعرّض بلاده وشعبه للقصف العنيف والدمار الذي يسبّبه. ويبدو حريصاً على استمرار رغبته في إعادة الحوار مع إيران بعد الضربة الكبيرة التي تلقّتها والضربة التي تُلحق أضراراً بالغة بإسرائيل. هل ينجح؟ وهل تصل حرب نتنياهو – خامنئي إلى آخر مدى لها؟ هل تسمح واشنطن بذلك؟ إيران تحملت آثار الحروب والضربات والحصارات من زمان. لكن هذه المرة الأولى يواجه شعب إسرائيل خسائر حرب حقيقية رغم عيشه حروباً عدة مع الدول العربية المجاورة له. لكنها ويا للاسف لم تكن مثل إيران، تصميماً وتسليحاً وخبرةً فعلية في حروب بالغة الشدة، علماً أن إيران أصابها الغرور ولم تعد تعرف ماذا تريد.