قبل المواجهة: هل حقق باريس سان جيرمان لقب كأس العالم للأندية بالفعل؟

تتجه أنظار عشاق كرة القدم حول العالم إلى نهائي كأس العالم للأندية 2025، الذي سيشهد مواجهة نارية بين تشيلسي وباريس سان جيرمان، على الرغم من التوقعات الأولية التي كانت تشير إلى صعود ريال مدريد، إلا أن مسار البطولة شهد تطورات مثير، وتمكن باريس من تجاوز عقبة ريال مدريد في نصف النهائي بفوز كبير ومقنع بنتيجة 4-0، ليضرب موعداً مع تشيلسي في المباراة النهائية. هذا التغيير في الخصم لا يغير فقط اسم المنافس، بل يضيف طبقة جديدة من التعقيد والإثارة للتحليل التكتيكي للمباراة.
ويحمل هذا النهائي أهمية قصوى لكلا الناديين، بالنسبة لتشيلسي، يمثل هذا النهائي فرصة تاريخية للمدرب إنزو ماريسكا ومشروعه الشاب، حيث أن الفوز بكأس العالم للأندية سيكون بمثابة دفعة هائلة للمشروع برمته، وحتى في حال عدم تحقيق اللقب، فإن خوض هذه التجربة الكبيرة سيوفر ملاحظات قيمة للموسم الجديد، وفرصة لا تقدر بثمن للتعلم والتطور المستمر.
وبالنسبة لباريس، سيمثل هذا النهائي تتويجاً لموسم استثنائي تحت قيادة لويس إنريكي، الذي نجح في إعادة تشكيل هوية الفريق بعد رحيل نجمه كيليان مبابي، محولاً إياه إلى فريق متكامل بالمعنى الحقيقي للكلمة، فالفوز باللقب سيكون إنجازاً كبيراً يؤكد نجاح فلسفة “كرة القدم الشاملة” التي طبقها إنريكي، ويثبت أن الفريق قادر على الفوز بالألقاب الكبرى دون الاعتماد على المواهب الفردية وحدها، خاصة وأن الفريق يعتمد على الاستحواذ المفرط، والضغط العالي، والمرونة التكتيكية.
وهذا يعني أن ماريسكا سيواجه خصماً يشاركه بعض المبادئ الأساسية مثل الاستحواذ والبناء من الخلف، ولكنه يختلف عنه في تفاصيل التنفيذ والضغط وبعض التحركات مثل استخدام الأطراف، والأهم، أنه سيواجه فريقًا أكثر شراسة، فكيف سيواجه كل منهما الآخر؟ والأهم، وبالنظر إلى شراسة باريس سان جيرمان، وضعف تشيلسي الواضح بالنسبة له، هل فاز باريس سان جيرمان بكأس للعالم للأندية بالفعل؟
باريس سان جيرمان.. الفريق الذي لا يقهر
سلك لويس إنريكي مسارًا مغايرًا لوعده السابق، فبعد أن هدَّد بـ”مراجعة كل تحرُّكات لاعبيه دون استثناء” ردًّا على حريتهم المفرطة، تحوَّل باريس سان جيرمان من آلة ميكانيكية تُطبِّق تعليمات المدرب، إلى كائن حي يتنفس الإبداع، لم يعد الفريق يسير على قضبان التكتيك الصارم، بل صار كالسائل، ينساب في تشكيلات متجددة، ويُعيد تشكيل نفسه لحظةً بلحظة. هذا التحوُّل لم يكن مجرد تعديل تكتيكي؛ بل ثورة فلسفية ضد فكرة “السيطرة المطلقة” التي طالما سيطرت على عقول المدربين.
في اعتراف صادم بعد انتصاره على ريال مدريد، قال إنريكي: “لقد أصبحت أقل سيطرة، وكلما قلت سيطرتي، زادت صعوبة توقع الخصم لتحركاتنا”. هنا تكمن المفارقة الجوهرية: التخلي عن التحكم المفرط حوَّل الفريق إلى لغز لا يمكن حله بشكل سلس، بعدما أدرك أن “الفوضى المنظمة”، حيث يتبادل اللاعبون المراكز، ويخترعون الحلول في الملعب، ويتحركون بحدس جماعي، هي سلاح ناجع، وبدلًا من تحويل الجميع إلى جنود في أوشلاء، فليتحول الجميع إلى فنانين، وبدلًا من توزيع الأوامر، فالنوزع الفرشاة والألوان.
إنريكي، بإطلاقه حرية اللاعبين، يدفع كرة القدم نحو جذورها الأصلية، حيث الإبداع الفطري، والمفاجأة، والمبادرة، والقدرة على اتخاذ القرار داخل الملعب، بالتأكيد هناك أطر عامة، وشكل واضح بقوالب واضحة وموضوعة سلفًا، وقد ناقشناها بالتفصيل قبل مباراة مدريد، ولكن رغم ذلك، هناك مجال للتحرُّر من قيود التكتيك الديكتاتوري، حيث يوضح جواو نيفيز، أحد نجوم الفريق، أن النظام لا يحدد أدوارًا جامدة، بل يركز على ضمان شغل المساحات باستمرار، بغض النظر عن اللاعب الذي يقوم بذلك.
رغم الهزيمة من باريس.. كيف استفاد ريال مدريد من كأس العالم للأندية؟
وعلى الرغم من أن تشكيلة باريس سان جيرمان قد تظهر على الورق كـ 4-3-3، إلا أن نظام تتحول بشكل منهجي إلى 3-2-5 عند الاستحواذ على الكرة، يتكون الخط الدفاعي من ثلاثة لاعبين، حيث ينضم نونو مينديز غالبًا إلى قلبي الدفاع، باكو وماركينيوس، لتوفير السرعة والقوة البدنية، وهو أمر فعال بشكل خاص في مواجهة السرعات الكبيرة، في بعض الأحيان، يمكن للاعب خط الوسط، مثل فيتينيا، أن يتراجع ليصبح المدافع الثالث، خاصة خلال فترات الاستحواذ الطويلة ضد الكتل الدفاعية العميقة.
ويتحول ثلاثي خط الوسط، الذي يبدو تقليدياً في البداية، إلى محور مزدوج (Double Pivot) خلال المرحلة الهجومية في الثلث الثاني من الملعب، ويحدث هذا إما بتراجع أحد لاعبي الوسط للانضمام إلى الخط الدفاعي، أو بتقدم أحدهم إلى الأمام، وغالباً ما يهاجمون أنصاف المساحات (Half-spaces) على جانبي الملعب، أي أن استراتيجية باريس سان جيرمان الهجومية تعتمد على الهجوم عبر خمس قنوات مميزة:
المهاجم الوهمي (False Nine): يعمل ديمبيلي كمهاجم وهمي، حيث يتراجع بشكل متكرر إلى خط الوسط لخلق تفوق عددي، هذا يمنحه حرية أكبر للربط مع لاعبي الوسط وفتح مساحات على الأجنحة للظهيرين المتقدمين.
الأجنحة الواسعة: يبقى الجناحان، كفاراتسخيليا وباركولا، في مراكز واسعة على خط التماس لتمديد دفاع الخصم قدر الإمكان، مما يخلق مساحة للاعبين الآخرين.
نصف المساحة اليسرى/الجناح الأيسر: يشغل هذه المنطقة إما لاعب خط وسط أو الظهير الأيسر (نونو مينديز) الذي يتقدم للأمام.
تداخل الظهير الأيمن: يقوم أشرف حكيمي، الظهير الأيمن، بتداخلات عميقة باستمرار، حيث يمكن أن يتحرك إلى نصف المساحة اليمنى أو يبقى واسعًا، مما يسمح لجناحه بالدخول إلى العمق.
الضغط العالي واستعادة الكرة: أو الدفاع كأول خط هجوم، وهذا يعني أن الدفاع ليس مسؤولية خط الدفاع أو لاعبي الوسط الدفاعيين فقط؛ بل هو جهد جماعي يشمل كل لاعب في الملعب، ويبرز هذا النهج استراتيجية دفاعية تعتمد على الضغط العالي واستعادة الكرة بسرعة عند فقدان الاستحواذ.
بصمة إنزو ماريسكا
شهد تشيلسي تحت قيادة إنزو ماريسكا تحولاً ملحوظاً في الأداء والنتائج خلال الموسم السابق، فقد ارتفعت نسبة فوز الفريق في الدوري الإنجليزي إلى 51% تحت قيادته، مقارنة بـ 48% تحت قيادة سلفه ماوريسيو بوتشيتينو، وفي جميع المسابقات، بلغت نسبة الفوز 59%، متجاوزة نسبة 50% التي حققها بوتشيتينو.
هذا التطور يعكس نجاحًا واضحًا بعض الشئ فقط في تطبيق فلسفة ماريسكا، التي تعتمد على الاستحواذ المنظم، والبناء الذكي، والصلابة الدفاعية المتزايدة، حيث يبدأ الفريق في الغالب بتشكيل 4-2-3-1 على الورق، لكنه يتحول بشكل منهجي إلى 3-2-4-1 أو 3-2-5 عند الاستحواذ على الكرة خاصة في الثلث الأول.
هذا التحول يتم عبر تقدم أحد الظهيرين، وغالباً ما يكون الظهير الأيمن مثل مالو جوستو أو ريس جيمس، إلى خط الوسط ليصبح لاعب ارتكاز إضافي، مشكلاً خط دفاع من ثلاثة لاعبين مع قلبي الدفاع، هذا الدور للظهير المقلوب يسمح بإنشاء تفوق عددي في منطقة وسط الملعب، وهو ما يطلق عليه “إغراق خط الوسط” (Overload the midfield).
ما يسهل على تشيلسي التحكم في الاستحواذ وتوجيه اللعب عبر العمق، حيث يستفيد بعض اللاعبين مثل إنزو فرنانديز من هذا الشكل للتقدم إلى أدوار هجومية أكثر تطورًا، حيث سجل الرجل 6 أهداف وقدم 7 تمريرات حاسمة في 36 مباراة بالدوري.
كما يلعب حارس المرمى، سواء روبرت سانشيز أو فيليب يورجنسن، دوراً محورياً في عملية البناء حيث يصعد بعض الخطوات ويضم على المدافعين ليصبح كما كان يطلق عليه قديمًا “ليبرو”، ولكن أثناء الخروج بالكرة فقط، خاصة عند مواجهة الضغط العالي من الخصم، ذلك التحرك البسيط يسمح لقلبي الدفاع بالانتشار على نطاق أوسع، مما يمدد ضغط الخصم ويخلق مساحات يمكن استغلالها في العمق أو على الأطراف.
فلسفة ماريسكا أيضًا لا تقتصر على الاستحواذ السلبي، بل هو استحواذ يهدف إلى تفكيك خطوط الخصم وخلق فرص 1v1 و 2v1 على الأجنحة، حيث تكمن ديناميكية هجوم تشيلسي في قدرتهم على إغراق المناطق المركزية (Overload central areas) وفي نفس الوقت الفوز في المواجهات الفردية على الأجنحة، بالاعتماد على (Third-man runs) والتمرير السريع لزعزعة دفاع الخصم وخلق المساحة في التكتلات الدفاعية.
هذا الأسلوب يتطلب فهماً عالياً للمساحات والحركة بدون الكرة، مما يعكس مستوى عالٍ من الوعي التكتيكي لدى اللاعبين، حيث يتم توجيه الأجنحة مثل نوني مادويكي وجادون سانشو وبيدرو نيتو للبقاء في مناطق واسعة (Anchor/Out Wide) لتلقي الكرة في مساحة تسمح لهم بخلق فرص 1v1 خطيرة.
كما يظهر تشيلسي قدرة على التكيف مع مختلف أساليب الخصوم؛ فعند مواجهة ضغط عالٍ، ينتشر قلبا الدفاع ويصبح الحارس خيارًا إضافيًا لتمرير الكرة، أما إذا تراجع الخصم للدفاع في كتلة منخفضة، فإن تشيلسي يتحول إلى شكل ماسي في خط الوسط لتسهيل تمرير الكرة عبر المساحات الضيقة، وبناءً عليه، احتل تشيلسي المرتبة الثانية في الدوري من حيث عدد التسديدات على المرمى (568 تسديدة، بمعدل 16 تسديدة في المباراة) والفرص الكبيرة (87 فرصة كبيرة، بمعدل 2.5 في المباراة)، ولم يتفوق عليه نادٍ إلا ليفربول.
ومع ذلك، فإن معدل تحويل الفرص لديهم بلغ 8.9% فقط، وهو أقل قليلاً من الموسم الماضي تحت قيادة السيد ماوريسيو بوتشيتينو، ويعزى ذلك إلى نقص الجودة في إنهاء الهجمات وعدم وجود مهاجم صريح فعال، بالإضافة إلى تعرض لاعبين مثل كول بالمر للرقابة اللصيقة وإصابته ببعض الإرهاق، والضعف العام في مستوى نيكولاس جاكسون الذي سجل 10 أهداف وقدم 5 تمريرات حاسمة في 30 مباراة بالدوري، قدرته على التحرك في المساحات وخلق الفرص هامة جدًا، لكنه يواجه أزمات كبيرة في الإنهاء.
الصلابة الدفاعية والتحولات
دفاعياً، يمزج تشيلسي تحت قيادة ماريسكا بين الضغط الهجومي المنظم والتكتلات الدفاعية، عند فقدان الاستحواذ، يتراجع الفريق إلى كتلة متوسطة بتشكيل 4-4-2 لقطع ممرات التمرير في العمق، مما يجبر الخصم على اللعب على الأطراف حيث يمكن تطبيق الضغط في مناطق أقل خطورة، وفي التحولات الدفاعية، يتحول تشيلسي غالباً إلى شكل 5-4-1، مع تراجع أحد الأجنحة إلى الخط الخلفي للمساعدة في امتصاص الضغط، ما يوفر صلابة دفاعية وقدرة جيدة بعض الشئ على الهجوم المرتد السريع.
كما تحسن أداء تشيلسي الدفاعي بشكل كبير، حيث استقبل 41 هدفاً في 35 مباراة بالدوري، بمعدل 1.17 هدف في المباراة، وهو ثالث أفضل معدل في الدوري، كما سمح الفريق بـ 23 تسديدة على المرمى فقط، بمعدل 2.5 تسديدة في المباراة، على سبيل المثال، في مواجهة ليفربول، سمح تشيلسي بتسديدتين فقط على المرمى طوال المباراة، بينما سدد 7 مرات على مرمى الخصم، وهو ما يمثل تحسنًا كبيرًا على المستوى الإحصائي مقارنة بالموسم الماضي الذي استقبل فيه 63 هدفًا بمعدل 1.65 هدف في المباراة.
وهذا لاعتماده على خط دفاع “محافظ” لا يتقدم كثيرًا، مما يقلل من خطر الكرات الطويلة خلف المدافعين، مع وجود لاعبي وسط ممتازين في استخلاص الكرة مثل مويسيس كايسيدو وروميو لافيا ما يمنح تشيلسي قوة إضافية في استعادة الكرة في وسط الملعب، ومع ذلك، فهناك نقطة ضعف محتملة في استخدام الظهير المقلوب لإغراق خط الوسط، حيث يخلق هذا الترحيل فجوة واسعة على الأطراف أثناء التحولات الدفاعية، ويجب على تشيلسي أن يكون حذراً من استغلال هذه الهفوة أثناء المرتدات.
وهو ما يعني وجوب التركيز الدائم من اللاعبين، والتركيز يحتاج إلى شحن نفسي قوي، وهو ما حدث فعلًا، حيث يتجاوز تأثير ماريسكا الجوانب التكتيكية ليطال الجانب النفسي والذهني للفريق، فأظهر الفريق تصاعداً مستمرًا في المستوى مباراة بعد مباراة، ما يعكس تطورًا في العقلية والثقة بالنفس، هذا التطور النفسي يظهر في قدرة اللاعبين على التكيف مع متطلبات النظام الجديد، والاستجابة للتعليمات التكتيكية المعقدة.
كما يبرز ماريسكا في نقطة تطوير اللاعبين الشباب وصغار السن، حيث قدم أكبر عدد من لاعبين الأكاديمية في موسم واحد بتاريخ النادي، هذا يغذي روح الفريق ويخلق بيئة تنافسية، مما يساهم في النمو المستمر للمشروع، على الرغم من التحديات المتعلقة بجودة بعض اللاعبين ونقص البدائل في مراكز معينة، فإن ماريسكا استطاع تحقيق نتائج إيجابية، مما يشير إلى قدرته على تحفيز اللاعبين واستخراج أقصى إمكاناتهم، وهنا يأتي السؤال: هل تكفي تلك الإمكانات للمرور من حريق باريس المدلهم؟
معركة العقول
كل تلك الأشياء تجعل المباراة معركة تكتيكية معقدة، وستلعب المواجهات الفردية دورًا حاسمًا في تحديد الفائز، كل مدرب سيسعى لاستغلال نقاط قوة فريقه وإخفاء نقاط ضعفه، بينما يحاول استغلال أي ثغرات في تكتيك الخصم.
قلب المعركة: يعد خط الوسط ساحة المعركة الرئيسية في هذه المباراة. تشيلسي، تحت قيادة ماريسكا، يعتمد بشكل كبير على التفوق العددي في خط الوسط من خلال تحويل 4-2-3-1 إلى 3-2-4-1 عند الاستحواذ، مع تقدم أحد الظهيرين إلى العمق، هذا يضع إنزو فرنانديز ومويسيس كايسيدو في قلب هذا النظام. إنزو فرنانديز، بقدرته على التقدم وصناعة اللعب (6 أهداف و 7 تمريرات حاسمة في الدوري)، سيكون حاسماً في ربط الخطوط. مويسيس كايسيدو، الذي فاز بجائزة أفضل لاعب في تشيلسي لهذا الموسم، يقدم أداءً دفاعياً ممتازاً في وسط الملعب.
على الجانب الآخر، يمتلك باريس سان جيرمان خط وسط تقنيًا متفوقًا بقيادة فيتينيا وجواو نيفيز وفابيان رويز، ويعتمد إنريكي على مرونة هذا الثلاثي للتحول إلى محور مزدوج عند الهجوم. قدرة هؤلاء اللاعبين على التحكم في إيقاع المباراة، وتمرير الكرة بدقة، واحتلال المساحات ستكون حاسمة، والمواجهة بين إنزو فرنانديز وكايسيدو ضد فيتينيا ونيفيز ستحدد أي فريق سيفرض سيطرته على الاستحواذ وعلى مناطق بناء اللعب. بالطبع المتوقع هو سيطرة كاملة لباريس، ولكن دعنا نرى.
مفتاح الاختراق: تعتبر الأجنحة والأظهرة حجر الزاوية في هجوم كلا الفريقين. في تشيلسي، يعتمد ماريسكا على الأجنحة الواسعة مثل نوني مادويكي وبيدرو نيتو وجادون سانشو لخلق مواقف 1v1، أما كول بالمر، الذي يلعب كجناح أو لاعب وسط مهاجم، فهو صانع الفرص الرئيسي للفريق، ومالو جوستو وريس جيمس، كظهيرين مقلوبين، يوفران الدعم في العمق ويساهمان في التفوق العددي بوسط الملعب.
في المقابل، يعتمد باريس سان جيرمان على الجناحين كفاراتسخيليا وباركولا للبقاء في مناطق واسعة وتمديد دفاع الخصم، ديمبيلي، الذي سجل 21 هدفاً كقائد للفريق و 35 هدفاً في الموسم، يعمل كمهاجم وهمي يتراجع إلى العمق لخلق المساحات على الأطراف، وأشرف حكيمي، الظهير الأيمن، يقوم بتداخلات هجومية عميقة، إما في المساحة النصفية أو على الأطراف، أما نونو مينديز، الظهير الأيسر، فيمكن أن يتقدم أو يتراجع ليصبح مدافعًا ثالثًا.
المواجهة بين أجنحة تشيلسي وظهيري باريس سان جيرمان (أو العكس) ستكون حاسمة في تحديد أي فريق سيتمكن من خلق فرص الاختراق من الأطراف، على سبيل المثال، تقدم الظهير المقلوب لتشيلسي (مثل كوكوريلا أو جوستو) يخلق تفوقاً عدديًا في الوسط، لكنه يترك مساحات على الأطراف يمكن أن يستغلها أجنحة باريس سان جيرمان السريعة مثل كفاراتسخيليا وباركولا، في المقابل، تداخلات حكيمي الهجومية ستضع ضغطًا على الظهير الأيسر لتشيلسي وقلب الدفاع الأيسر، مما قد يفتح مساحات في العمق أو على الجناح الأيمن لباريس.
معركة المساحات والإنهاء: في الخط الأمامي لتشيلسي، يلعب نيكولاس جاكسون دور المهاجم الصريح، قدرته على التحرك في المساحات وخلق الفرص ستكون مهمة للغاية، وكريستوفر نكونكو يمكن أن يوفر خيارًا هجوميًا إضافيًا أيضًا، وفي الدفاع، يعتمد تشيلسي على قلبي الدفاع مثل ليفي كولويل وتوسين أدارابيويو (الذي قدم أداءً ممتازًا في نصف النهائي).
في الدفاع، يعتمد باريس سان جيرمان على باكو وماركينيوس، مع دعم من نونو مينديز أو فيتينيا كقلب دفاع ثالث، قدرتهم على التعامل مع تحركات تشيلسي الثلاثية والتمرير السريع ستكون حاسمة، والمواجهة بين جاكسون وقلبي دفاع باريس سان جيرمان (ماركينيوس وباكو) ستكون اختبارًا لقدرة جاكسون على استغلال المساحات خلف خط الدفاع المتقدم لباريس.
أما خط دفاع تشيلسي، فلا به له من تحديد مسؤولية مراقبة ديمبيلي عندما يتراجع إلى العمق. إذا لم يتابع ديمبيلي بشكل فعال، يمكنه خلق تفوق عددي في وسط الملعب وفتح مساحات لزملائه، مع العلم، أن أحد العوامل التي قد تؤثر على أداء باريس سان جيرمان هو إجهاد اللاعبين المزمن.
ستكون المواجهة في خط الوسط وعلى الأطراف هي المفتاح الرئيسي لتحديد الفائز، قدرة تشيلسي على كسر ضغط باريس واستغلال المساحات، مقابل قدرة باريس على فرض إيقاعه والتحكم في الاستحواذ، فعلى الرغم من أن باريس سان جيرمان قد يبدو فريقًا لا يقهر في بعض الأحيان، إلا أن كل فريق لديه نقطة ضعف واحدة على الأقل يمكن استغلالها، وكل أسطورة ميثولوجية، لديها “كعب أخيل” مميت، قد يسقطها أرضًا في لحظات قليلة.
كعب أخيل
يعود أصل مصطلح كعب أخيل إلى الميثولوجيا الإغريقية، فعندما كان الأسطورة “أخيل” طفلًا، تنبئ له العراف بأنه سوف يموت في معركة ما، ومن أجل منع موته قامت أمه “ثيتس” بتغطيسه في نهر “ستيكس” المقدس المعروف بمنحة قوة خاصة، لكن بما أن ثيتس كانت تحمل أخيل من كعب قدمه أثناء غسله، لم يصل الماء السحري إلى كعبه. وهكذا كبر أخيل ليصبح أحد الرجال الأقوياء الذين صمدوا في الكثير من المعارك، إلا أنه في أحد الأيام أصاب سهم مسموم كعبه متسببًا في مقتله بعد فترة قصيرة.
بالنسبة لباريس، فهناك أكثر من كعب يمكن لسهم تشيلسي المرور من خلاله، أولهم هو اعتماد باريس بشكل كبير على تقدم الأظهرة، مثل أشرف حكيمي ونونو مينديز، إلى مراكز هجومية متقدمة للغاية، حيث يتحول الفريق إلى شكل 3-2-5 عند الاستحواذ على الكرة، وبينما يخلق هذا التفوق العددي في الثلث الأخير من الملعب ويساعد في تمديد دفاع الخصم، إلا أنه يترك مساحات واسعة خلف تلك الأظهرة.
ويمكن لتشيلسي، بوجود أجنحة سريعة مثل نوني مادويكي وبيدرو نيتو وجادون سانشو، استغلال هذه المساحات في التحولات الهجومية السريعة، وإذا تمكن تشيلسي من كسر الضغط العالي لباريس في مناطق البناء، فإن التمريرات الطولية السريعة إلى الأجنحة يمكن أن تضع مدافعي الخصم في مواقف 1v1 خطيرة ضد لاعبين يتمتعون بالسرعة والمهارة في المراوغة، هذا يتطلب من تشيلسي دقة في التمرير وسرعة في اتخاذ القرار عند استعادة الكرة.
ثانيًا، يعتمد لويس إنريكي على عثمان ديمبيلي كـ “مهاجم وهمي” (False Nine)، حيث يتراجع ديمبيلي بشكل متكرر إلى خط الوسط لخلق تفوق عددي في الوسط، هذا التكتيك يطرح سؤالاً كبيراً على دفاع الخصم: من المسؤول عن مراقبته؟ وإذا لم يقم قلبا دفاع تشيلسي بتتبع ديمبيلي بشكل فعال عند تراجعه، يمكنه خلق تفوق عددي لباريس سان جيرمان في وسط الملعب، مما يفتح مساحات لزملائه المتقدمين، تكمن نقطة الضعف هنا في أن المدافعين قد يترددون في متابعة المهاجم الوهمي بعمق خوفًا من ترك المساحة خلفهم.
ولكن إذا تمكن قلبا دفاع تشيلسي من الحفاظ على الانضباط التكتيكي وعدم الانجراف بعيدًا عن التمركز، مع تكليف لاعبي الوسط الدفاعيين مثل كايسيدو بمراقبة ديمبيلي عند تراجعه، فإن ذلك سيحد من تأثيره، كما يمكن لتشيلسي استغلال المساحة التي قد يتركها ديمبيلي في الخط الأمامي من خلال تقدم نيكولاس جاكسون أو ليام ديلاب في العمق، أو من خلال تحركات كول بالمر بين الخطوط.
ثالثًا؛ يُعرف باريس سان جيرمان بضغطهم العالي والمكثف، وبينما يعد هذا الضغط فعالًا في استعادة الكرة بسرعة، إلا أنه قد يكون سلاحًا ذا حدين، في مباراة نصف النهائي ضد ريال مدريد، عندما ضغط ريال مدريد بشكل أفضل في الشوط الثاني، أُجبر باريس سان جيرمان أحيانًا على اللعب المباشر إلى خط الهجوم.
وإذا تمكن تشيلسي من تجاوز خط الضغط الأول لباريس من خلال بناء اللعب المنظم من الخلف، أو من خلال التمريرات الطولية الدقيقة خلف خط الوسط المتقدم لباريس، يمكنهم خلق فرص خطيرة، يتطلب هذا من حارس مرمى تشيلسي (روبرت سانشيز أو فيليب يورجنسن) أن يكون ماهرًا في التمرير، وأن يكون قلبا الدفاع هادئين تحت الضغط، كما أن وجود مهاجمين قادرين على الفوز بالكرات الهوائية أو الاحتفاظ بالكرة تحت الضغط (مثل نيكولاس جاكسون) يمكن أن يكون حاسمًا في هذه المواقف.
رابعًا، وهو الأهم، يعاني باريس من غياب بعض اللاعبين في الخط الخلفي بسبب الإيقاف، وهما قلبا الدفاع ويليام باتشو ولوكاس هيرنانديز، إذ يُعد هذا الباتشو عنصرًا حاسمًا، إذ حافظ باريس على شباكه نظيفة في مباراة واحدة فقط عندما كان باتشو غائبًا أو على مقاعد البدلاء، كما أن إحدى هزيمتيه في الدوري جاءت أثناء غيابه.
هذه الغيابات تمثل نقطة ضعف واضحة في قلب الدفاع الباريسي، حيث يمكن لتشيلسي استهداف هذه المنطقة من خلال تحركات المهاجمين في العمق، أو من خلال التمريرات البينية التي تستغل أي نقص في التفاهم بين قلبي الدفاع البديلين، كما أن الضغط المستمر على المدافعين البديلين يمكن أن يجبرهم على ارتكاب الأخطاء، كما فعل باريس نفسه أمام ريال مدريد في نصف النهائي، ما يقلب السحر على الساحر.
هل كل تلك الأمور السابقة معقولة فعلًا؟ على المستوى النظري نعم؛ ولكن على المستوى العملي، في الأمور صعبة جدًا بالنسبة لتشيلسي رغم كل ذلك، أو بسبب كل ذلك، وبغض النظر عن النتيجة، فإن هذه المباراة ستكون تجربة تعليمية قيمة لكلا الفريقين، فوز تشيلسي سيمنح مشروع ماريسكا دفعة هائلة ويؤكد على مكانته كقوة صاعدة.
أما الخسارة، فستقدم دروسًا مهمة وملاحظات للموسم القادم، مما يساهم في استمرار تطور الفريق. وبالنسبة لباريس سان جيرمان، فالفوز سيؤكد نجاح خطط انريكي في تحولهم إلى فريق جماعي متكامل، بينما الخسارة ستدفعهم لمراجعة بعض الجوانب لتعزيز الهيمنة في الموسم القادم، هذه المباراة ليست نهائي بطولة، بل هي فصل جديد في قصة تطور كرة القدم الحديثة، حيث يتصادم التكتيك والطموح على أعلى المستويات.