الهلال يهزم مانشستر سيتي.. درس تكتيكي بارع من إنزاجي يُزلزل عرش جوارديولا

الهلال يهزم مانشستر سيتي.. درس تكتيكي بارع من إنزاجي يُزلزل عرش جوارديولا

فاز الهلال على مانشستر سيتي، والسر ليس صعبًا كما يظن البعض، بل السر في المدرب، المدرب المدرب، هذا اللقب وتلك الصفة، ليس اسمًا يُنقشُ على مقعدِ البدلاء، بل هو المشروعُ ذاته، والأساسُ الذي تُبنى عليهِ كلُّ أحلامِ الملاعب، إنه الحجرُ الأولُ في صرحِ الأمجاد، والظلُّ الذي يُقللُ من حدةِ وهجِ الفروقِ بين الخصوم، فبدونِ عقلٍ يُمسكُ بخيوطِ اللعبةِ، تتحولُ كرةُ القدمِ إلى ركامِ حركاتٍ بلا روحٍ، وإلى أرضٍ يبابٍ لا تُنبِتُ إبداعًا.

ولكن لماذا يبقى المدربُ هو الوحيد القادر على ردمِ الهُوَّةِ بين العاديِ والاستثنائي؟ لأنَّه، في جوهرِ الصراعِ، حاملُ مشعلِ المعرفةِ في ظلامِ التنافس، هو الأكثرُ عُمقًا في قراءةِ الخرائطِ التكتيكيةِ، والأعمقُ في فهمِ لغةِ الأجسادِ والمساحات الفارغة، ولديه من الحكمة ما يمكنه من الوقوف في مواجهةِ الرياحِ العاتيةِ، ولذلك، حين يُدركُ أنَّ العلمَ هو سلاحُه السري، يُصبحُ الجسرَ الذي تعبرُ عليهِ الفرقُ من ضفةِ الموهبةِ الخامِّ إلى ضفةِ الإنجازِ المُحكمِ.

كل ما تشتهي كل ما أشتهي يبدأ الآن أو ينتهي” 
 مريد البرغوثي

بريف

لقد خطا الهلال السعودي خطوةً تاريخيةً لا تُنسى، حين هزّ شباك مانشستر سيتي الإنجليزي بنتيجةٍ مذهلة (4-3) في الوقت الإضافي، خلال مباراة دور الـ 16 من كأس العالم للأندية، فيما كان خاتمةً ليومٍ حافلٍ بالمفاجآت، وإثباتاً صارخاً على أن كرة القدم لا تعرف المستحيل، وأن روح المنافسة تظلّ قادرةً على نسج الدراما الجيدة. 

ووراء هذا الإنجاز الفذّ، ثمة سياقٌ أوسع يتشكّل ببطءٍ وحزم، فقد سارع النادي السعودي، منذ أن أصبح ضمن أربعة فرق استحوذ عليها صندوق الاستثمارات العامة في 2023 كجزءٍ من طموح المملكة الرياضي العالمي، إلى تعزيز صفوفه بلمعان نجومٍ أوروبيين، والأهم؛ مدربين من الصفوة في العالم بأسره، وهذا الاستثمار الطموح ليس حدثاً معزولاً، بل هو لبنةٌ في صرحٍ ضخمٍ يتجاوز حدود الملعب. 

مع هذا الدعم الهائل، يحصد الهلال ثمار الجهد، فبقيادة الإيطالي سيموني إنزاجي، حقق الفوز ما يعادل 13.7 مليون دولار، مع فرصةٍ ذهبيةٍ لزيادة المكاسب أمام فلومينينسي البرازيلي في ربع النهائي بأورلاندو، هذه الرحلة تذكّرنا، لا إرادياً، بدراما نصف نهائي دوري الأبطال الذي خاضه إنزاجي مع إنتر ميلان الموسم الماضي أمام برشلونة، حيث تتلاطم  الجودة مع الفوضى. 

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

وقد كانت دراما المباراة نفسها تجسيداً حياً لهذا المزيج؛ اشتعل الهلال غضباً بعد الهدف الافتتاحي للسيتي بداعي التسلل رغم طبيعية وضعية اللاعبين، مع بعض الاحتجاجات العنيفة التي أوقفت اللعب دقائق، حتى أكد الحكم قراره عبر مكبر الصوت، في مشهدٍ نادرٍ عكس حدة التوتر وثقل اللحظة. ولكن وإذا كان الشوط الأول دراميًا، فإن الشوط الثاني كان إعصارًا من المشاعر. 

تعادل ماركوس ليوناردو بعد 41 ثانية فقط، ثم قدّم البرازيلي مالكوم مهارةً ساحرةً نقلت الهلال للمقدمة (2-1) في الدقيقة 52، انطلاقًا من منتصف الملعب عقب خطأ إنكليزي، لكنّ كرة القدم، كالحياة، قلّما تسير في خطٍ مستقيم. فسرعان ما عاد هالاند ليسجل التعادل (2-2)، ثم احتسب الحكم ركلة جزاء لمالكوم سرعان ما تراجع عنها، وضاعت فرصة ذهبية لمحمد كنو، لينقذ بعدها علي لاجامي الذي جاء من النصر ليرتدي ثوب البطولة في الهلال بتصدي بطولي في الدقيقة 84، ليرسل المباراة إلى الوقت الإضافي، وهناك كتب الزعيم سطور مجده الآني.  

خاصةً بعدما انفجر بيب جوارديولا ضد صافرة الحكم فالينزويلا التي قطعت شريان هجمة خطيرة قادها جيريمي دوكو، تلك الصافرة لم تُنهِ الشوط فحسب، بل مزَّقت لحظةً كان يمكن أن تُعيد كتابة المصير. 

ولم يكد الزلزال الانفعالي لـ جوارديولا يهدأ، حتى عادت الدراما تُلقي بثقلها، في الشوط الإضافي الأول، ارتفع كاليدو كوليبالي كطائر جارح، محولاً رأسيةً مدويةً بعد ركلة ركنية ماهرة من روبن نيفيز، ليعيد الأمل إلى صفوف الهلال، لكن الفرحة لم تكتمل بتاتًا ونهائيًا، فسرعان ما أطفأها فيل فودين بتسديدةٍ قوية أعادت التوازن إلى 3-3، في نهاية الشوط الأول من الوقت الضائع، وكأن القدر يلعب بورقة تلو الأخرى.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

ووسط هذا المدّ والجزر، برز إيدرسون حارس السيتي أنقذ ضربة رأسٍ قاتلةٍ لـ سيرجي ميلينكوفيتش-سافيتش، لكن كرة القدم، في قسوتها الجميلة، لم تمنحه فرصةً ثانية؛ فبعدها بثوان قليلة سقطت كرة هاربة كهديةٍ قاتلةٍ عند قدمي ماركوس ليوناردو، ليسددها في المرمى الفارغ في الدقيقة 112، كسهمٍ صامتٍ اخترق كل الآمال، وانهى المباراة بتفوق الزعيم.

وعندما خفت دخان المعركة، تجلّى ثمن اللحظة، الـ 13.7 مليون دولار التي كانت على المحك، تحوّلت من بين يدي السيتي إلى غنيمةٍ للهلال، ورغم ذلك، سيحمل فريق جوارديولا معه 51.7 مليون دولار من البطولة، لكن السؤال الفلسفي الخفي يطفو: هل تعوّض الكنوز المادية مرارة الفشل في لحظة المجد؟

هكذا يتشابك الجهد الاستثماري الضخم مع الإرادة الفذّة داخل المستطيل الأخضر، ليرسم لوحةً من الانتصار والدراما، تذكيرًا بأن الطموح، حين يلتقي الفرصة والإصرار، يمكنه أن يصنع المستحيل على أرض الواقع. 

ما هذا 

ولكن، لا يعني هذا أن مانشستر سيتي كان هشًا أو ضعيفًا، بل على العكس، كان قويا بالكرة وبدونها، وجيد في مراحل اللعب الستة، وها هو يعود إلى صورته المألوفة، قوةً لا تُقهر، هذه العودة لم تكن فقط بسبب عودة رودري، ولا لسجله المثالي في دور المجموعات، بل لأن الفريق تحت قيادة جوارديولا يسيطر على مجريات اللعب من الأطراف ببراعة. 

وتجلت هذه السيطرة بوضوح في انتصاره الكبير على يوفنتوس 5-2، حيث عبر جوارديولا عن رضاه قائلاً: “أعجبتني الطريقة التي فعلنا بها الأمر”. في تصريح يعكس ثقة المدرب في أداء فريقه، خاصةً أمام دفاع يوفنتوس الصلب بقيادة تيودور، الذي تلقى 8 أهداف فقط في 11 مباراة قبل هذه المواجهة، وهو ما تكرر أمام الهلال 

مواجهة خط دفاعي مرصوص بـ 5-4-1 في حرارة أورلاندو كان تحديًا خطيرًا، لكن السيتي جعل الأمور أقل تعقيدًا، حتى مع غياب عمر مرموش في الشوط الأول. برز هالاند، الذي أصبح سريعًا وأكثر ديناميكية على الغير العادة، كلاعب محوري في نقل اللعب من الثلث الثاني للثلث الأخير، وهو ما واجهه الهلال بمزيج من الضغط العالي، والدفاع (رجل لرجل) بعرض الملعب، ثم الانسحاب للدفاع بكثافة، حتى أن نسبة استحواذ الهلال كانت 31% فقط. ما الحل؟ الحل في المرونة التي قدمها سيتي.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

وتمثلت هذه المرونة في الثلث الأول من الملعب، أثناء البناء من الخلف تحديدًا، حيث كان جناحا السيتي، جيريمي دوكو وسافينيو، يتحركان للداخل ليلعبا دور صانعي الألعاب بجوار هالاند، هذا التمركز الضيق للجناحين حرر مساحات واسعة على الجانبين للظهيرين ماتيوس نونيس وريان آيت نوري، مما وسع رقعة الهجوم وأربك دفاع الهلال. 

ولكن تلك الحيلة كادت أن تنقلب  في بعض اللحظات، فالخطر الكامن في المساحات الواسعة على الأطراف أفاده، وأضره بعدما استغل ظهيري الهلال المساحات الواسعة على الأطراف أيضًا في الهجمات المرتدة. 

ما يعني أن التمركز الضيق لسافينيو ودوكو لم يستهدف السيطرة المركزية، بقدر ما هدف إلى حصر قلوب دفاع الهلال في العمق، خاصة مع لعبهم بليبرو أيضًا، ليس ليبرو كالذي كان موجودًا منذ عشرات السنين، ولكن المقصود أنهم لعبوا بثلاثة مدافعين مركزيين، أحدهم أسفل الاثنين الآخرين، لودي ونيفيز وكوليبالي. 

ولكن آلية جوارديولا تسببت في أزمات عميقة بالنسبة لهم، لأنه فتح المساحات أمام رودري وبرناردو سيلفا وتيجاني رايندرز، بعدما استطاعوا ايقاع لاعبي خط وسط واحد في المصيدة، واجبارهم على القفز للضغط على مدافعي السيتي. 

الغريب أن كل ذلك يحدث عندما نكون في نصف ملعب السيتي، أما عندما تكون الكرة في نصف ملعب الهلال، يغيّر السيتي استراتيجيته الهجومية على الفور، وبديناميكية عالية، يتسع الجناحان نحو الأطراف، بينما تضيق مسارات الظهيرين، هذا التعديل وفر حمايةً إضافيةً، ووضع دوكو وسافينيو في مواجهات فردية مباشرة، مستفيدين من المساحات التي تخلقها الحركة الدائمة بين منتصف الملعب والأطراف. 

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

كل تلك الجودة كانت لتجعل من الهلال لقمة سائغة أمام السيتي، لولا انزاجي الذي شيد نظامه التكتيكي بناءً على تشكيلةٍ سائلةٍ أشبه ببصمة DNA وراثية، 3-5-2 أساسًا تتشكل إلى 2-3-3-2 هجوميًا، وذلك عن طريق خمسة ركائز أساسية تحدثنا عنها سابقًا: 

1- الأجنحةُ الطائرةُ والمتحركة باستمرار صعودا وهبوطًا 

2- الصعود المستمر لقلبي الدفاعِ نحو وسط الملعب ولاعبو الوسطِ المنتشرين بعرض الملعب. 

3- المهاجمين الوهميين اللذانِ يتراجعانِ لربطِ اللعبِ أو تحريك المساحاتِ، ثم ينقضان على المساحة الفارغة بعد تجميع اللعب. 

4- التشكيلُ المرنُ الذي يتحوَّل تلقائيًا إلى 5-3-2 دفاعيا.  

5- مربعات التمرير المتداخلة في وسط الملعب، والتي تقطع مساراتِ التمريرِ وتُحوِّلُ أخطاءَ الخصومِ إلى هجماتٍ مرتدةٍ سريعةٍ، في آلية دفاعية قلما تجدها في العالم، خاصة مع السرعةِ الجنونية لكانسيلو  على اليمين، ومتعب الحربي على اليسار، والذين استغلوا ثغرة مانشستر سيتي على الأطرفا ببراعة شديدة. 

وهذا هو ديدن تلك المواجهات، اصطدام الخطط الهجومية المعقدة للأول بجدار الدفاع المنظم والواقعية التكتيكية للثاني، ولكن في حالتنا تلك، فقد أفشل، أو لنقل عطل انزاجي هيكل السيتي ومحاولاته لخلق تفوق عددي في الوسط، حيث راقب لاعبو إنتر لاعبي السيتي الرئيسيين مثل رودري وآيات نوري عن كثب، مما حرمهم من المساحات وأجبرهم على ارتكاب أخطاء في التمرير أو الاستلام،  بل إن إنزاجي استخدم أحد قلوب الدفاع مثل نيفيز، للضغط خارج الخط الدفاعي لسد المساحات التي قد يستغلها لاعبي السيتي. 

أخيرًا، تميز إنزاجي بـ المرونة التكتيكية داخل إطار دفاعي ثابت، حيث عدّل أدوار لاعبي وسط الملعب والظهيرين لمواجهة تحركات السيتي دون التخلي عن نظامه الأساسي، مما وفر ثباتًا نفسيًا وتكتيكيًا لفريقه. 

ورغم محاولات جوارديولا الذكية كسر هذا الجدار عبر تبادل الأدوار بين الجناحين والظهيرين أو استدعاء هالاند للعمق، فإن نقص الجودة في التنفيذ وصعوبة اختراق الدفاع المتراص، خاصة في المناطق القريبة من المرمى، جعلت أفكاره تصطدم “بالواقعية الدفاعية” للإيطالي، ما يثبت أن هذه المواجهات تظهر أن التخطيط الاستراتيجي الطموح لجوارديولا واجه حاجزًا اسمه التكتيك الدفاعي المتقن لإنزاجي. 

فقدان الذاكرة

خلاصة الأمر أن السيتي ليس سيئًا مطلقًا، بل لم يكن علامةً على تراجعٍ، بل هو تحوُّلٌ مدروسٌ نحو نموذجٍ جديد، ففلسفة جوارديولا التكتيكية تتطور لتبتعد عن الاستحواذ البطيء الذي اشتهر به، نحو كرةٍ أسرع وأكثر فاعليةً، الدليل الأبرز هو استثمار النادي في لاعبين مثل جيريمي دوكو وسافينيو وعمر مرموش، هذه الاستراتيجية تعكس رغبةً في مواكبة تيار كرة القدم الحديثة القائم على السرعة والمرونة، وربما يتجاوز الأمر التعاقدات إلى إعادة هندسة آلية الهجوم. 

فخلال مواجهة الهلال، حاول السيتي تكثيف الهجمات عبر الأطراف باستمرار، مستفيدًا من حركة الظهيرين النشطة (نونيز، آيت نوري) والتبديل الذكي لأدوار الجناحين بين التمركز الضيق والاتساع، حتى غياب مرموش في الشوط الأول لم يُعطِّل الخطة، بل فتح المجال أمام أدوارٍ هجوميةٍ ديناميكيةٍ لآيت نوري وهالاند وغيره، هذه الديناميكية تُثبت أن “الجيم” البطيء الذي هيمن على عصر السيتي السابق يُستبدل الآن بنموذجٍ يعتمد على الانتقال السريع من الدفاع إلى الهجوم في ثوانٍ معدودة. 

التغيير الأكثر دلالةً هو التعاقد مع بيب لييندرز، مساعد يورجن كلوب السابق في ليفربول. هذه الخطوة ليست مجرد صفقةٍ إدارية، بل رسالةٌ تكتيكيةٌ واضحة: السيتي قد يتبنى فلسفة “الجيجن برسينج” التي أتقنها كلوب، لدمجها مع رؤية جوارديولا الهجومية في الاستحواذ على الكرة لأطول فترة، فلِيندرز يمثل جسرًا بين ثقافة الضغط السريع والاستحواذ المنظم، مما قد يُنتج هجينًا تكتيكيًا يُعيد تعريف هيمنة السيتي في السنوات القادمة.

هذه التطورات تؤكد أن هزيمة السيتي ليست نهاية المشروع، بل مرحلة إعادة تشكيله. فالفريق يبني أسسًا جديدةً تلغي ثنائية “البطيء مقابل السريع”، وتخلق نموذجًا يستوعب أفضل ما في العالمين: ذكاء جوارديولا في التمرير والاستحواذ + شراسة كلوب في الضغط، والتعثر أمام الهلال قد يكون ثمنًا مؤقتًا لولادة فلسفةٍ أكثر توازنًا.

على الجانب الآخر، يكمن سر العبقرية هنا في أن الهلال واجه تحديا وجوديا بغياب أعمدة فريقه الأساسية، مثل سالم الدوسري محرك الهجوم، وحسان تمبكتي صخرة الدفاع، إضافةً إلى غياب المهاجم القاتل ألكسندر ميتروفيتش. لو حضر هؤلاء لاختلفت المعادلة، لكن الفراغ حوّل المباراة إلى اختبارٍ للقدرة على إعادة التشكيل والتوازن مرة أخرى تحت نيران السيتي الهجومية.

لكن وراء هذا الغياب، برزت بعض الأرقام الفردية التي  جسدت معنى “البطولة والاقدام”، حيث تحوّل حارس المرمى بونو إلى سدٍّ منيعٍ، وأنقذ ١٠ تسديدات قاتلة داخل الصندوق، ٦ منها في الشوط الأول وحده، أبرزها تصدّيات وجهًا لوجه أمام هالاند، وعلي لاجامي كتب تاريخًا بتصدّيته الأسطورية على خط المرمى (الدقيقة 84)، التي أنقذت الفريق من السقوط، كما تحمّل ماركوس ليوناردو عبء الهجوم وحيدًا فسجّل هاتريك  من ٤ تسديدات فقط، وركض 12.7 كم وحيداً وسط 3 مدافعين للسيتي.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

هنا أظهر انزاجي مرونته المعهودة، حوّل الجناح الهجومي “متعب الحربي” إلى ظهير أيسر دفاعي لأول مرة في تاريخ الفريق، فسدّ الثغرات ببراعة، وأعاد تشكيل خط الوسط باستخدام محمد كنو كـ”كاسر هجمات” خلف الخطوط، وناصر الدوسري كجسرٍ بين الدفاع والهجوم، كما اعتمد على ثنائي هجومي سائل (ليوناردو + مالكوم) يتحركان كظلالٍ خلف دفاع السيتي، عبر التبادل المستمر بين الضغط والهروب من المراقبة، هذه التركيبة غير التقليدية هي التي  صنعت المعجزة. 

شئ آخر هام جدا، خط دفاع الهلال الذي تحوّل إلى قلعةٍ منيعةٍ توجّت بعودة “التنين” كاليدو كوليبالي إلى سابق عهده، اللاعب الذي كاد الرحيل يُطويه قبل البطولة، استفاق في كأس العالم للأندية وأعاد اكتشاف ذاته، وحوّل شكوك النقاد إلى دهشةٍ صامتة. لم تكن عودته عاديةً، بل كانت إعادة تشكيلٍ تكتيكيةٍ قادها إنزاجي ببراعة، جاعلًا منه القلعة المركزية التي تصدت لأشرس هجمات السيتي،  خاصة في التصدي لضربات رأس هالاند، وتنظيمه الحائط الدفاعي الذي احتوى أسرع الجناحين.

والأرقام لا تكذبُ هنا: في مواجهة السيتي وحدها، حقق كوليبالي 9 تصديات حاسمة، و91% دقة تمرير من المناطق الخطرة، و7 تدخلات ناجحة قطع فيها هجماتٍ كادت تُغير مصير اللقاء. لكن الأهم من الأرقام، هو القيادة غير المسموعة التي منحها للخط الخلفي، خصوصًا عند تحويل متعب الحربي  إلى ظهيرٍ ناجحٍ في نفس المباراة. هذه “اللمسة السحرية” من إنزاجي حولت كوليبالي من لاعبٍ يُشكك في مستقبله إلى رمزٍ للثبات النفسي والتكتيكي، وبطريقة ترفع سقف أداء من حوله.

والتحول لم يقتصر على كوليبالي وحده، بل شكّل انعكاسًا لروح الفريق بأكمله، علي لاجامي – الذي أنقذ الكرة على خط المرمى في الدقيقة 84، ونيفيز ولودي، نسجوا معًا شبكةً دفاعيةً ذكيةً تقطع المساحات وتُعيد شحن الهجمات المرتدة.  كوليبالي أيقظه إنزاجي، فاستيقظ معه الهلال كله.