النجم المفقود في الظلام.. مارادونا ضحية اختياراته

النجم المفقود في الظلام.. مارادونا ضحية اختياراته

لم يكن دييجو أرماندو مارادونا مجرّد لاعب كرة قدم، بل كان ظاهرة، لغزًا، مأساة تمشي على قدمين، عبقرية مفرطة في موهبتها، مفرطة في شهوتها لكل شيء، فمن ملاعب الطين في فيلا فيوريتو، إلى أضواء كأس العالم وملاهي نابولي، عاش مارادونا حياته كعاصفة لا تعرف التوقف، إلى أن اختنق وسط الدخان، وسقط في الظل، في رواية مأساوية يسترسلها لكم موقع 365Scores.

في الوثائقي الذي عُرض على قناة Discovery+، تُكتشف تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة “الولد الذهبي”، وتتقاطع خطوط الألم مع الخلود، كيف يمكن لأسطورة أن تموت وحيدة؟ كيف انكسر قلب رجل أذهل العالم، ولماذا لم يستطع أحد إنقاذه — لا الأطباء، ولا الأصدقاء، ولا حتى كرة القدم؟

مارادونا.. بدايات هشّة ونهاية صادمة

منذ نعومة أظافره، عانى مارادونا من مشكلات صحية دفعت الأطباء إلى حقنه باستمرار لتحسين بنيته الجسدية، مما زرع فيه مبكرًا علاقة معقدة مع الأدوية، هذه العلاقة تطورت، حتى أصبحت إدمانًا مدمرًا على الكوكايين، بدأ فعليًا في برشلونة وبلغ ذروته في نابولي، حيث وجد نفسه محاطًا برجال المافيا، وعالم لا يعرف الاعتدال.

مارادونا

لكن الإدمان لم يكن وحده من حطم الجسد، بل إصرار مارادونا الدائم على اللعب رغم الإصابات، والخضوع للحقن والمسكنات، التي جعلت الألم مزمنًا وغيّبت قدرته على التعافي، كما كشف طبيب القلب سانجاي شارما، فإن الاستخدام المتكرر للكورتيزون والعقاقير المسكنة أضعف قلبه على مدار السنوات.

شهرة سامة.. ومحيط لا يرحم

لم يكن مارادونا نجمًا عاديًا، كان إلهًا في عيون الجماهير، لكنه كان أيضًا فتى فقيرًا اضطر لإعالة أسرته منذ المراهقة، في بيئة جعلت السقوط حتميًا، ومع صعوده، تزايد الضغط، واختلط المال بالنفوذ بالمخدرات، كان دييجو محاطًا بـ”أصدقاء” يلبّون له كل طلب، في حفلات مترفة ودوامات ليلية لا تنتهي.

في برشلونة، قال مؤلف سيرته “يد الله”: “بدأ مارادونا تعاطي الكوكايين كما لو كان يشرب كوبًا من الكوكتيل في نادٍ ليلي”، أما في نابولي، فكانت الأمور أسوأ. حفلات تنظمها المافيا، وليالٍ لا تتوقف، وجسد يُنهَك أكثر كل يوم.

موت بطيء.. وعزلة موجعة

لم يكن سقوط مارادونا لحظة مفاجئة، بل عملية بطيئة ومؤلمة، بعد أن جرى استئصال جلطة دموية من دماغه، تدهورت صحته سريعًا، وفي 25 نوفمبر، في غرفة بسيطة بالطابق السفلي من شقة مستأجرة في بوينس آيرس، لفظ الأسطورة أنفاسه الأخيرة بنوبة قلبية.

تشير تقارير الطب الشرعي إلى أن جسده لم يكن يحتوي على أي مواد غير قانونية، بل “كوكتيل من الأدوية الموصوفة” التي أثرت على قلبه الهش، كانت تلك النهاية الحزينة لرجل قضى حياته في محاولة مستحيلة للهروب من آلامه.

ما بعد موت مارادونا.. أسئلة لا تنتهي

مات مارادونا ولم يتبق في حسابه البنكي سوى 75 ألف جنيه إسترليني، رغم الملايين التي حصدها؛ مات وحيدًا، بلا كرة، بلا جمهور، بلا هدف، ومنذ رحيله، لم تتوقف الأسئلة: هل خذله الطب؟ هل خانته الشهرة؟ أم كان ضحية اختياراته؟

يقول مدربه الشخصي فرناندو سيجنوريني: “أخبرني مرة: حاولت الإقلاع عن كل شيء، لكني لم أستطع”، ويضيف: “كنت أعلم أن النهاية قريبة، لكني لم أتخيل أن تكون بهذا الشكل المفجع”.

لم يكن ضحية المخدرات فحسب، بل ضحية مجدٍ أكبر من طاقته، وسطوةٍ لم يتعلم كيف يتعامل معها، ضحية نفسه، وجنونه، ومحبته المفرطة للحياة… حتى الثمالة.