هل يتجه ليفربول نحو هيمنة أوروبية جديدة تحت قيادة فيرتز؟

منذ رحيل يورجن كلوب، بدأ ليفربول في تدشين فترة يمكن اعتبارها تحولًا نشطًا نحو هويةٍ جديدة تحت قيادة أرني سلوت، هذا التحوُّل تجلَّى في الطموح غير المسبوق في سوق الانتقالات، في خطوات معقولة تكرّس رؤية سلوت لبناء الفريق، ويمكن اعتبارها تحولًا جريئًا في سياسة الانتقالات الحذرة، وتؤكد أن ليفربول يعيد تشكيل نفسه وفق فلسفة مدربه الجديد، وأن سلوت يحظى بدعم كامل لبناء هجومٍ قويٍّ ومستدامٍ ومتعدد الأدوار، خاصة بعد انتقال فلوريان فيرتز إلى ليفربول، بصَفقة قد تصل إلى 116 مليون جنيه إسترليني، ما يُعدّ لحظة محورية في عصر ما بعد كلوب،
هذه الصفقة التاريخية (الأغلى في تاريخ النادي) تُظهر نجاعة ليفربول في السوق، إذ أن قيمة الصفقة تفوق الرقم السابق لليفربول (85 مليونًا لنونيز في 2022) وقد تتجاوز صفقة كايسيدو لـ تشيلسي (115 مليونًا في 2023)، أما فيرتز نفسه، بمهاراته المتعددة وذكائه التكتيكي، سيكون المحور الإبداعي لفلسفة سلوت القائمة على الاستحواذ والضغط العالي، فرغم التكلفة الضخمة، فإن المبيعات المدروسة للنادي وقدرات اللاعب الهائلة تجعل الصفقة استثمارًا استراتيجيًا طويل الأمد يهدف للسيطرة المحلية والأوروبية.
عاجل ورسميًا 🚨
ليفربول يعلن عن تعاقده مع فلوريان فيرتز قادمًا من باير ليفركوزن ✅#فيرتز #ليفربول #365ScoresArabic pic.twitter.com/IMq8jyzAoQ— 365Scores Arabic (@365scoresarabic) June 20, 2025
تفاصيل صفقة فلوريان فيرتز المالية
لطالما اتبع ليفربول سياسةً حذرةً في سوق الانتقالات، مُفضِّلاً استثمار الوقت في تطوير المواهب الشابة بدلاً من الاندفاع وراء شراء “المنتجات الجاهزة”، كما يعتمد النادي على نموذج “الاكتفاء الذاتي”، حيث تُغطَّى نفقات التعاقدات الجديدة عبر عوائد مبيعات اللاعبين الكبرى، صفقة فلوريان فيرتز لم تخرج عن هذا الإطار، بل وُصفت صراحةً بأنها مكافأة على التقشف (النسبي) وليس الكلي في السنين الأخيرة.
لكن الصفقة نفسها تحمل رسالةً مغايرة: فهي “بيان طموح” وخطوة “جريئة” تُظهر أن ليفربول “ذهب بكل ثقله” لضمّ لاعبٍ استثنائي، ما يعني أن النادي الآن يُغيّر ديناميكيته، فإلى جانب فيرتز، شهد موسم 2024-2025 تعاقداتٍ أخرى مرتفعة التكلفة مثل جيريمي فريمبونج (30 مليون جنيه)، وميلوش كيركيز (40 مليون جنيه)، وجورجي مامارداشفيلي (25 مليون جنيه)، وفيديريكو كييزا (10 ملايين جنيه).
هذه الحركة ليست إنفاقًا عشوائيًا، بل تطور مدروس في استراتيجية الانتقالات تحت قيادة أرني سلوت، يُعيد فيه توجيه الموارد، فهل يعني هذا كسرًا لسياسة الحذر المالي؟ ربما لا، فرغم أن صفقة فيرتز (التي قد تتجاوز 116 مليون جنيه) ستكون رقمًا قياسيًا للنادي وربما للدوري الإنجليزي، فإن ليفربول يوازنها بمبيعات ضخمة: رحيل ترينت ألكسندر-أرنولد إلى ريال مدريد، وكايمهين كيليهر إلى برينتفورد، كما توجد احتمالية لبيع هارفي إليوت وداروين نونيز.
وإضافة إلى ذلك حقق النادي عوائد كبيرة من مبيعات موسم 2023-2024 شملت فابينيو (40.2 مليون جنيه استرليني)، وجوردان هندرسون (12 مليون جنيه استرليني)، وفابيو كارفاليو (20 مليون جنيه استرليني)، وسيب فان دن بيرج (20 مليون جنيه استرليني)، وبوبي كلارك (10 ملايين جنيه استرليني).
تلك الاستراتيجية تبدو وكأنها تسير نحو إعادة تخصيص للأموال للتعاقد مع بعض المواهب ذات الطابع النخبوي، مع التخلي عن الحذر المالي، وهذا يشير إلى تطور استراتيجي أيضًا، فبدلاً من كسر حاجز الإنفاق، يمكن إعادة تخصيص الأموال نحو بعض المواهب القليلة وذات التأثير العالي، دون التخلي عن مبدأ التوازن المالي، بمعنى آخر، يمكن للنادي الانفاق أكثر على أفراد محددين بطابع نخبوي، مع الحفاظ على صافي إنفاق مُبرَّر بالجودة، وهو ما يطرح تساؤلًا: هل صفقة فيرتز تفي بتلك التوقعات؟
نظرة أشمل
فيرتز هو في جوهره لاعب رقم 10 كلاسيكي، يبرع كـمحور إبداعي في خط الوسط المهاجم، حيث يصنع الفرص ويُنسِّق الهجمات في الثلث الهجومي، كما أن سر تميزه يكمن في مرونة استثنائية تسمح له بالتألق في أدوار متعددة: لاعب وسط، جناح مقلوب، أو حتى مهاجم وهمي، هذه القدرة على التحول تجعله التجسيد الأمثل لرؤية أرني سلوت التكتيكية، حيث يتحول إلى منظم لأنصاف المساحات في الجهة اليسرى، كما أنه ينتقل بسلاسة بين عدة مراكز رغم لعبه 94% من الدقائق كلاعب وسط مهاجم.
وتتعدد نقاط قوة فيرتز الرئيسية على النحو التالي:
الرؤية والتمرير: رؤية فيرتز الاستثنائية هي سلاحه السري، حيث يمتلك قدرة فريدة على َضرب خط الضغط بتمريرة بينية واحدة، حيث تصدر الدوري الألماني الموسم الماضي بـ 49 تمريرة بينية، بينما تميز بمعدلات غير مسبوقة في التمريرات العرضية، حيث تفوق على جميع منافسيه بنسبة 45% وبعدد 123 تمريرة عرضية، كما خلق 124 فرصة من اللعب المفتوح خلال موسمين فقط.
المراوغة والتحكم بالكرة: يتمتع فلوريان فيرتز بقدرة مراوغة تسمح له بـالتسلل جانب الخصوم دون فقدان إيقاعه، وكأن الكرة ملتصقة بقدميه، هذه المهارة تجسّدها بعض الأرقام، فقد نفّذ 313 محاولة مراوغة في الدوري الألماني، نجح في إتمام 161 منها خلال الموسمين الماضيين. سرّ تميُّزه لا يكمن في السرعة فحسب، وكل هذا يصب في تحكّمه الاستثنائي بالكرة تحت الضغط، مدعومًا بقدرته المتوازنة على استخدام كلتا قدميه ببراعة.
التهديد الدائم: فلوريان فيرتز ليس مجرد صانع ألعاب فقط، بل يسجل 10 أهداف أو أكثر كل موسم بشكل ثابت. تُظهر إحصائيات تسديداته تفضيلًا واضحًا للتسديد من خارج منطقة الجزاء، خاصة من مسافة 18 ياردة، كما يتحرك بذكاء داخل الصندوق ضمن “الموجة الثانية” من الهجوم (أي بعد انطلاق المهاجمين الأساسيين) لإنهاء الفرص بعد ارباك المدافعين.
معدل الضغط: إضافة لكل ذلك، فهو يُظهر أيضًا فاعلية استثنائية في الضغط بعد فقدان الكرة، وتتجلى هذه المهارة في بعض الأرقام، حيث تصدَّر الدوري الألماني الموسم الماضي بـ71 استعادة كرة في الثلث الهجومي يُضاف إلى ذلك تصنيفه الدائم ضمن أفضل 10 لاعبين في كسب الثنائيات في الدوري الألماني.
الأرقام الأساسية: كما قدم أداءً استثنائيًا على المستوى الرقمي من حيث التسجيل والصناعة، حيث سجّل في أحد المواسم 18 هدفًا و20 تمريرة حاسمة، ثم أعقبها بموسم آخر قويٍّ بـ16 هدفًا و15 تمريرة حاسمة، هذه الإحصائيات المتميزة أكسبته جائزة أفضل لاعب في الدوري الألماني، خاصة بعد قيادته الفريق للتتويج بلقب الدوري دون هزيمة، كما وصلت إجمالي مساهماته مع النادي إلى 122 هدفًا، خلال 197 مباراة فقط، مما يوثّق تأثيره الكبير في مسيرة النادي.
إحصائيات الأداء الرئيسية لفلوريان فيرتز (آخر موسمين):
المقياس | القيمة |
الأهداف | 34 |
التمريرات الحاسمة | 35 |
المراوغات المكتملة | 161 |
الفرص المُخلَقة (لعب مفتوح) | 124 |
المسافة المقطوعة (لكل مباراة) | 12.3 كم |
العدو السريع (لكل مباراة) | 33 |
المنتخب الألماني يتقدم بهدف فلوريان فيرتز ⚽️🇩🇪#دوري_الأمم_الأوروبية | #ألمانيا | #البرتغال pic.twitter.com/Z6FpwG6p40— beIN SPORTS (@beINSPORTS) June 4, 2025
ما الداعي؟
أرني سلوت يبني فلسفته التكتيكية على الاستحواذ الذكي والمرونة الهيكلية، ساعيًا للحفاظ على الهوية الهجومية التاريخية لليفربول مع تطويرها عبر ترقيات استراتيجية، كما يتميز أسلوبه بالهجمات السريعة والعمودية المعتمدة على التقدم المباشر بالكرة، بينما يتبنى دفاعًا قائمًا على الضغط العالي المكثف، غالبًا عبر تشكيل 4-2-4 ضيق يُوجه الخصم نحو مناطق محددة لاستعادة الكرة بكفاءة، علاوةً على ذلك، يولي سلوت أهمية كبيرة لتعددية أدوار اللاعبين، مع إعادة توظيفهم باستمرار لتعزيز التوازن التكتيكي.
هذه الخلفية تكشف عن مدربٍ يتعلم من أخطائه التكتيكية، مزوجًا بين الإبداع الفطري والانضباط ليصل إلى “توازن دقيق” بين الإبداع والتحكم، ولذلك فرؤية سلوت تجاه فيرتز غالبًا ما ستتمحور حول توظيفه كقلب إبداعي مركزي (رقم 10)، وهو الدور الأمثل لاستغلال نقاط قوته في ربط الهجمات وخلق الفرص وتوجيه اللعب في الثلث الهجومي، ومن هذا المركز تحديدًا، يستطيع فيرتز استغلال المساحات الضيقة وتنفيذ الضربات السريعة، مقدِّمًا “البراعة والدهاء” اللازمين لفك شفرة الدفاعات المنظمة، التحدي الأكبر للفرق الكبرى، وقد كانت هذه الرؤية عاملًا حاسمًا في قبول فيرتز الانضمام لليفربول.
ويُذكر أيضًا أن سلوت قد يعتمد أحيانًا على تشكيل 4-2-4 بوجود لاعبَين في مركز الوسط المهاجم، ما يعني وصول فيرتز سيدفع حتمًا لإعادة هيكلة خط وسط ليفربول، أبرزها تحويل دومينيك سوبوسلاي إلى دور “box to box” أعمق، فمن هذا المركز، سيقدم سوبوسلاي الدعم الدفاعي والتحكم في التوزيع، مكونًا ثنائيًا متكاملاً مع فيرتز، الأول يركز على التنظيم من الخلف، والثاني على الإبداع في الهجوم.
هذا التعديل سيحرر العديد من اللاعبين مثل ماك أليستر وجرافينبيرش لأدوار هجومية أكثر جرأة، بينما يسمح للظهيرين بالتركيز على الانضباط الدفاعي بعد أن قلّ اعتماد الفريق على الزحف الجناحي المكثف، ولذلك يمكن إجمال مزايا وعيوب الصفقة في الآتي:
المزايا:
تعزيز القدرة الهجومية والإبداعية: ستعزز إبداعات فيرتز ومساهماته التهديفية وقدرته على فك شفرة الدفاعات بشكل كبير هجوم ليفربول، خاصة ضد الكتل الدفاعية المنخفضة، كما يمكنه تخفيف العبء الإبداعي عن محمد صلاح.
المرونة التكتيكية والتطور: يسمح تعدد استخداماته لسلوت بتطبيق تشكيلات وخطط هجومية متنوعة، مما يجعل ليفربول أقل قابلية للتنبؤ، قدرته على اللعب كـ “رقم 10” أو “مهاجم وهمي” أو “جناح أيسر” تمنح سلوت خيارات تكتيكية لا تقدر بثمن.
استثمار طويل الأجل وقيمة إعادة بيع: في سن 22 عامًا، يقدم آداءً عاليًا، مما يتوافق مع بناء سلالة مهيمنة على المدى الطويل.
التأثير الإيجابي على غرفة الملابس والقيادة: سيؤثر نضجه وأخلاقيات عمله وقدرته على رفع مستوى زملائه في الفريق بشكل إيجابي على معنويات الفريق وأدائه، حيث كان يُنظر إليه في ليفركوزن كقائد يلهم الآخرين بسلوكه.
بيان الطموح: تبعث الطبيعة القياسية للصفقة برسالة واضحة للمنافسين والأهداف المستقبلية المحتملة حول نوايا ليفربول الجادة في المنافسة على أعلى المستويات.
2. العيوب/المخاطر:
تحديات التكامل التكتيكي: على الرغم من تخفيفها بملفه الشخصي ومرونة سلوت، فقد يواجه أي توقيع جديد وجيد فعلًا تحديات في التكيف مع دوري جديد وثقافة وزملاء جدد. ضمان التكامل السلس دون تعطيل كيمياء الفريق الحالية أمر بالغ الأهمية.
التأثير على اللاعبين الحاليين: قد يؤدي وصول لاعب من عيار فيرتز إلى تقليل وقت اللعب أو تغيير الأدوار للاعبين الأساسيين الحاليين، مما قد يؤثر على الروح المعنوية (على سبيل المثال، هارفي إليوت، أو تغيير دور دومينيك سوبوسلاي).
تاريخ الإصابات: على الرغم من أنه تغلب بنجاح على إصابة في الرباط الصليبي وعاد إلى قمة مستواه دون تراجع في التسارع ، فإن أي إصابة كبيرة سابقة تحمل دائمًا خطرًا متبقيًا، وإن كان صغيرًا.
فلوريان فيرتز يمثّل استثمارًا إستراتيجيًا يجسّد رؤية أرني سلوت وطموح ليفربول المتجدّد، حيث تتناغم مواهبه التقنية والذهنية مع متطلبات النادي، خاصة وأنه انتقال قليل المخاطر، فرغم التكلفة القياسية (116 مليون جنيه)، إلا إن المبيعات الاستراتيجية والوضع المالي الصحي للنادي يحوّلان الصفقة إلى إعادة توجيه مدروس للأموال وليس إنفاقًا متهوّرًا، النتيجة؟ صفقةٌ تُعزّز القدرة التنافسية للنادي على المدى الطويل، وتُرسي أساسًا لحقبة هيمنة، يمكن أن يُصبح فيرتز فيها هو المحفّز الذي يدفع ليفربول للسيطرة على البريميرليج.