أسبيورن وهاردر: رمزان لكرة القدم في حقبة النازية

أسبيورن وهاردر: رمزان لكرة القدم في حقبة النازية

على رصيف محطة قطار في هامبورج عام 1933، كان اللقاء الأخير بين صديقين كرة القدم القدامى، في قصة ذات أبعاد إنسانية يقصّها عليكم موقع 365Scores أحدهما هو أسبيورن هالفورسن، نجم النرويج الأول ولاعب خط الوسط المبدع في صفوف هامبورج، والآخر أوتو تول هاردر، هداف الفريق وأحد أبرز من لمس الشباك في عشرينيات ألمانيا.

كان هالفورسن يستعد للعودة إلى بلاده، فيما هرع هاردر لتوديعه، لم يكن أيٌّ منهما يعلم أن هذا الوداع سيكون بداية لانقسام مصيري، بين طريق نحو المقاومة، وآخر نحو الظلام.

قاد هالفورسن وهاردر هامبورج إلى لقبين ألمانيين عامي 1923 و1928، وكانا يشكّلان ثنائيًا لا يُقهر، لكن بينما قرر هالفورسن أن يعود إلى بلاده عام 1933 لتولي منصب إداري في اتحاد الكرة النرويجي، اختار هاردر السير في الاتجاه المعاكس؛ الانضمام إلى قوات الأمن الخاصة النازية (SS)، والمشاركة الفعلية في منظومة الرعب الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية.

كرة القدم – أسبيورن وهاردر

من صداقة ميدان كرة القدم إلى انقسام المصير

بينما قاد هالفورسن منتخب بلاده إلى أول إنجاز أولمبي لكرة القدم (برونزية أولمبياد برلين 1936)، كان هاردر يتدرج داخل المؤسسة النازية حتى أصبح قائدًا لأحد معسكرات الاعتقال.

عرفته النرويج لاعبًا بارزًا ومدربًا مبتكرًا، لكن القدر وضعه في موقع أكبر بكثير، بعد اجتياح ألمانيا النازية لبلاده عام 1940، رفض الخضوع.

قاوم، كتب، نظّم، وتحدى الاحتلال حتى تم القبض عليه عام 1942، بعد اكتشاف دوره في إصدار صحف سرية تنقل أخبار الحرب الحقيقة للسكان.

نُقل بين معسكرات الاعتقال، من ناتزويلر إلى نيكاريلز، حتى انتهى به المطاف في نوينغام، أحد أكثر المعسكرات النازية وحشية – حيث كان صديقه السابق هاردر قد عمل قائدًا قبل شهور فقط.

يُعتقد أن هالفورسن لم يلتقِ هاردر مجددًا، لكن رحلته في المعسكر كانت تحت ظل نظام أشرف عليه زميله السابق.

أوتو هاردر.. من نجم إلى مجرم حرب

كان هاردر رمزًا كرويًا في عشرينيات ألمانيا، وهدافًا لا يُضاهى، لكن بعد انضمامه للـ SS، تحوّل إلى جزء من آلة القمع النازية.

ترأس أحد فروع معسكر نوينغام، حيث مات عشرات الآلاف، بينهم أطفال وسجناء سياسيون، بعد الحرب، حُكم عليه بالسجن 15 عامًا، لكنه قضى فقط أربع سنوات قبل وفاته عام 1956، في المقابل، كان هالفورسن قد خرج من المعتقل محطم الجسد لكنه شامخ الروح.

رغم إنجازاته كلاعب ومدرب ومقاوم، بقي اسم هالفورسن مهمشًا – حتى في هامبورج التي لعب لها 12 عامًا، المعلم الألماني يورجن كوفالوسكي حاول مع طلابه تخليد ذكراه، دون جدوى.

“لقد واجه النازية بروح الرياضي، لكنه لم يحظ بالتكريم الذي يستحقه”، هكذا قال كوفالوسكي.

قصة هالفورسن لا تتعلق بكرة القدم فقط، بل بتلك المسافة الشاسعة بين الشرف والخيانة، بين من استخدم شهرته لمحاربة الظلم، ومن باع ضميره للجلادين.

في يناير 1955، توفي هالفورسن نتيجة مضاعفات مرض التيفوس الذي أصيب به داخل المعسكرات، لكنه، قبل ذلك، ساهم في إعادة بناء الكرة النرويجية، وساعد الرياضيين الألمان للمشاركة في أولمبياد أوسلو الشتوية 1952، رغم اعتراضات بلاده.

لم يكن يملك سوى قلب كبير، وعزيمة لا تنكسر.

إنها قصة كروية، نعم، لكنها أيضًا درس إنساني في الاختيار؛ بين أن تكون وجهًا للحرية، أو وجهًا للعار.