“النهر لن يعيق وصلنا”.. مونودراما تجمع بين القضايا الوطنية والعمق العاطفي

عمّان في 28 يوليو /العُمانية/ يرتكز العمل المسرحي “النهر لن
يفصلني عنك” المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه للكاتب رمضان الرواشدة، على
العلاقة التاريخية بين ضفتي النهر؛ الأردن وفلسطين، ويتجلى فيه الهم القومي
ممتزجًا بالبُعد الوجداني.
وتتناول الفكرة الرئيسة للمسرحية التي أخرجها صلاح الحوراني علاقة
حبّ تنشأ بين فتاة تقطن في الضفة الغربية، وشاب يسكن الضفة الشرقية، لا يتمكّنان
من التواصل بسبب الحواجز التي وضعها الاحتلال، ليتحول نهر الأردن إلى رمز يعبّر عن
حالة انقسام غير إنسانية، لكنه من جهة أخرى يحمل معاني الوفاء والصبر والانتظار.
ولا يظهر الحب في المسرحية التي عُرضت على مركز الحسين الثقافي ضمن
فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون 2025، غايةً في ذاته، بقدر ما هو تجسيد
لمعاناة شعبين ارتبطا تاريخيًّا بمصير واحد، ولعل هذا ما غيّب اسمي الشخصيتين
الرئيستين في العمل، وجعل من صوتيهما حالة تمتد عبر الزمن وتوثق الذاكرة وتنقلها
عبر أجيال تتوارث حالة التهجير والتشظي.
واعتمدت المسرحية على اللغة الشعرية المكثفة التي جعلت العرض أقرب
إلى المونودراما الوجدانية، حيث انسابت الحوارات كما لو أنها تراتيل مغنّاة على
ضفاف النهر، ولامست قلوب المشاهدين دون تكلف، ففي أحد المقاطع نسمع: “أقف
هنا.. على الضفة الأخرى.. أراكِ في عينيّ الماء.. ويعبرني اسمكِ كنشيد قديم.. لن
يفصلني عنكِ هذا النهر، حتى لو جفّت مياهه وتحجّرت الصخور”، فاللغة هنا لم
تعد مجرّد أداة توصيل وسرد مباشر، بل ذهبت إلى حالة من الشعرية تدفع المشاهد
للتأمل والاندماج العاطفي.
ويشتغل النص على مستويين؛ أولها المستوى الرمزي الذي يدور في فلك قصة
حب محاصر، والثاني واقعي مرتبط بفصل ضفتي نهر الأردن عن بعضهما بعضًا والتفريق بين
شعبين مثّلا نسيجًا وحدويًّا واحدًا، ويتخذ النهر في المسرحية رمزية متعددة؛ حيث
يشير إلى وحدة المصير، ورفض الانقسام القسري لا على الأرض فقط بل أيضًا في القلوب
والعقول.
وتعدّ “النهر لن يفصلني عنك” تجربة نوعية من حيث الجمع بين
الشكل المسرحي والرسالة الفكرية، وتقديم عرض بسيط في الشكل والحبكة غير أنه عميق
في طروحاته الفكرية.
وتميّز العرض الذي لاقى إقبالًا جماهيريًّا، بإضاءته الخافتة التي
تعكس مزاج النص، مع مؤثرات موسيقية هادئة تعزز الحالة التأملية، واعتماد أداء جسدي
بسيط للممثلين الذين استطاعوا إيجاد حالة من التواصل الروحي بين الخشبة والجمهور،
بعيدًا عن الأداء الاستعراضي المبالغ فيه، أو الديكورات الكثيرة، وترك النص يعبّر
عن نفسه في إشارة إلى أن الكلمة القوية قادرة على إحداث الأثر المرجو منها.
جديرٌ بالذكر أن المسرحية تأتي لتؤكد على أن النهر ليس رمزًا
للانفصال، بل هو جسر بين ضفتين، وذاكرة جمعية واحدة، وأنه مهما طال الانفصال سيأتي
اليوم الذي يعبُر فيه المحبون النهر ويتلاقون على ضفافه بأمان.
/العُمانية/ النشرة الثقافية/ شيخة الشحية