جود الزوايدة: ت融合 السرد الذاتي مع التجريب اللوني في لوحاتها

عمّان في 28 يوليو /العُمانية/ إن اللون والشكل يلاحقان التشكيلية
الأردنية جود الزوايدة، حيث تحدوها رغبة للاكتشاف والتجريب وتقديم أعمال تركّز على
علاقة الإنسان مع الطبيعة سواء في وضعيات الانصهار أو الانفصال.
وتميل الفنانة في لوحاتها إلى الألوان المائية التي تشير إلى حالة
السيولة والتغير، بينما تمثل الألوان الزيتية في تصورها حالة من الصبر والتعمق في
الذات، عاكسة عبر كل ذلك رحلتها الذاتية منذ النشأة حتى النضج.
وتُعَدّ الزوايدة مثالًا للفنانة المعاصرة التي تحمل أفكارًا بصرية
تتجاوز المألوف، وتملك القدرة على الجمع بين التجريب الأكاديمي والإنتاج الواقعي
الذي يترك أثرًا لا يمحى في نفس المتلقي.
وتقدم لوحات الفنانة التي حصلت على شهادة الماجستير في تاريخ الفن
بجامعة سانت أندروز في اسكتلندا، تكوينات غامضة، لكنها مألوفة، تمثل بمجملها رسالة
للمتلقي ليقترب من داخله ويتأمل ذاته المتعدّدة والمتشابكة مع النسيج المحيط به،
وليقرأ حضور هذه الذات وتشابكها مع مكونات الطبيعة، وهي دعوة إنسانية بحتة ترى في
كل مكون من مكونات الحياة دور يؤديه بمفرده وأدوار يؤديها حين يتواصل مع العناصر
الأخرى من حوله.
كما يتضح في أعمالها القدرة على الجمع بين التجربة الفنية والتصميم
والتجربة التعليمية، حيث عملت مطوّرة محتوى ومدرّسة ومساعدة تنسيق في معارض كلية
“رينغلينغ” بالولايات المتحدة، كما شاركت في تنظيم معارض فنية طلابية.
ومثلت رحلتها إلى محافظة الأقصر في مصر نقطة تحول حقيقية في تجربتها
الفنية، إذ رأت فيها أنها المكان الذي ألهمها بشكل كبير، موضحة تأثرها بطاقة
الطبيعة والتاريخ التي انعكست بشكل جلي في لوحاتها اللاحقة، ومثال ذلك لوحتها
التصويرية “زهرة اللوتس” التي جسدتها بطريقة شخصية مستعيدةً عبر ذلك
رمزية الولادة والتجدّد، وعدد من اللوحات التي استلهمتها من المعابد الفرعونية
ووادي الملوك ومتحف الأقصر الأثري.
وتتسم أعمال الزوايدة بهُويتها البصرية التي تجمع بين السرد الشخصي
والتجريب اللوني والتفاعلي، ومحاولة دمج الذاتي مع الطبيعي لإيجاد لغة تشكيلية
تعبّر عن الاستمرارية والتجدد، والعطاء والخصب، كما تقدّم رؤية خاصة تتجاوز حدود
الشكل واللون، إذ تنظر للوحة لا بوصفها منتجًا بصريًّا وحسب، بل على أنها مختبر
للمعاني، ولعل ذلك ما يجعل معظم سطوحها تميل إلى اللون الأبيض الذي يمثل حاضنة
بصريّة للشكل ومساحة للتأمل، وتقول الفنانة حول ذلك: “الرسم بالنسبة لي ليس
محاكاة، بل استجابة داخلية لصدى ما يهمس به الجسد والبيئة من حولي”.
ويظهر في عدد من أعمال الزوايدة الجسد البشري مشوَّهَ الحواف، وفي
وضعيات ملتفة تعبّر عن الانكسار الداخلي وتمزّقات الروح، بينما تجلت عناصر الطبيعة
من نباتات وأشجار وماء وحجارة ككائنات تتنفس داخل التكوين وتثبت حضورها الفاعل كما
لو أنها تتكلم وتعترض وتجادل في إشارة إلى أن الطبيعة ليست صامتة وسلبية، بل شريكة
فاعلة في التكوين والبوح.
ومن هنا تبرز رؤية الزوايدة للفن على أنه أداة لعرض الجمال ووسيلة
للشفاء والتأمل، وتوليد مساحات آمنة للتعبير، هذا ما يفسر اهتمام الفنانة بإطلاق
العديد من الحلقات الموجّهة للفنانين الناشئين، التي ركزت فيها على استخدام الرسم
واللون كأدوات لفهم الذات وتفريغ المشاعر، خصوصًا لدى المجتمعات التي تعاني من
اضطرابات اقتصادية أو اجتماعية.
وتُظهر لوحاتها تمسكها بجذورها كإرث بصري قادر على إيجاد حالة من
الانسجام بين القديم والحديث، وتشكيل لغة بصرية معاصرة غنية بالتأمّلات والقصص
الذاتية المنشغلة بالتجدد والذاكرة والطبيعة.
وفيما يتعلق بحضور المرأة في أعمالها، فمرة تتجلى المرأة وهي تتأمّل
في انعكاس الماء، ومرة أخرى كمخلوق منسجم مع الطبيعة، ومرة ككائن متمرد يصرخ من
داخل الجسد المتشظي، وربما يعود ذلك لمحاولة الفنانة تفكيك الصورة النمطية للجسد،
وإعادة تعريفه بطريقة أكثر انفتاحًا وصدقًا.
/العُمانية/ النشرة الثقافية/ شيخة الشحية