كتاب يستعرض بناء الهوية وصورة الآخر في الأدب الروائي الجزائري الحديث.

كتاب يستعرض بناء الهوية وصورة الآخر في الأدب الروائي الجزائري الحديث.

الجزائر في 22 يوليو /العُمانية/ تأسّس كتاب “تشكيل الهوية
والآخر في الخطاب الروائي الجزائري المعاصر” الصادر عن دار جودة للنشر
والتوزيع بالجزائر للباحثة الدكتورة فتيحة حسني، على مقاربة مفهوم الهوية والآخر،
وأبرز تجلياتهما في المتن الروائي الجزائري المعاصر.

وتركز الدكتورة فتيحة حسني في الكتاب على كيفية استنطاق الرواية الجزائرية
للواقع الذي نعيشه وتأريخها لأحداث مفصلية، كانت ولا تزال، تنخر الذاكرة الجمعية
على غرار الاستعمار والإرهاب وما ترتب عنهما من هجرة واغتراب، وما شكلاه، في الآن
ذاته، من تهديد على الصعيد الهوياتي؛ فحضور الآخر، سواء أكان ناتجا عن انشطار
الذات أو تلبّس حضاري معاد، لا شك أنه سيطرح هاجس الهوية والثبات عليها أمام
التهديدات الداخلية والخارجية التي تتربص بها، لذلك كانت الهوية هي المحرّك الأساس
في النماذج الروائية المختارة، عبر استحضار مجموعة من الأبطال أرّقهم سؤال الهوية
والاختلاف أمام معايير العالم المتغيّر.

واستعرض الكتاب في مدخله أهمّ المفاهيم النظرية المرتبطة بالموضوع،
منها مفهوم (الهوية، الأنا، الآخر)؛ وهي مفاهيم تجاذبتها حقول معرفية متعدّدة. وتتناول الفصول اللاحقة دراسة تطبيقية لجملة من النماذج الروائية تم التركيز
خلالها على موضوع الهوية والآخر، لكونهما من الركائز الأساسية في عالمنا المعاصر، وأضحى موضوع الهويّة من أهمّ الموضوعات إثارة للنقاش
والتداول على الساحة الثقافيّة والفكرية العربيّة والغربيّة في العقود الأخيرة،
نظرا لما يحمله من تشابك في مقاربته المنهجيّة وتعقّد إشكالاته المفاهيمية
لارتباطه بعديد الحقول المعرفيّة، وتداخله مع عدّة مفاهيم، أبرزها (الأنا).

وشغل سؤال الهوية الأدباء والمفكرين،
لاسيما مع موجة الاستعمار، وما أحدثه من صدمة حضارية أسهمت في بلورة الوعي حولها حين
يتعلّق الأمر بمواجهة الآخر الذي يسعى لفرض ثقافته على الدول النامية، بشكل مباشر
أو غير مباشر، هذا الغزو الثقافي الذي بدأ يتفشّى مع تنامي ظاهرة العولمة واتساع
ظاهرة الهجرة يشكّل تهديدا حضاريًّا للدول التي كانت حديثة عهد بالاستقلال من براثن
الاستعمار، الذي تركها مخلخلة الأركان بفعل سياساته المقصودة لتهديم الحضارة في
الدول التي كان فيها.

وشمل الكتاب في طرحه عدّة روايات عبّرت عن شاغل الأدباء الجزائريين
حول الهوية العربية عامة، والجزائرية خاصّة، في خضم المواجهة الحضارية التي حصل
اللقاء فيها مع الآخر الغربي، وفي ظل الصراعات الحاصلة وتنامي ظاهرة العولمة
والهجرة تمكّنت الأنا من التعرُّف على الآخر بشكل أقرب على أرضه.
ومن الروايات
التي اتخذت مدار الدراسة “عودة السنونو”
لهشام محجوب عرايبي، و”أنا وحاييم” (لحبيب السائح)، و”هاوية المرأة
المتوحشة” (عبد الكريم ينّينة)، و”أناشيد الملح” (العربي رمضاني)،
و “من يستأجر لي وطنا؟” (طاهر مرابعي)، و”نيران وادي عيزر”
(محمد ساري). وتقف الروايات المدروسة في طرحها للعلاقة بين الأنا والآخر إزاء أربع
مسائل محورية (الاستعمار، الإرهاب، الهجرة، الهوية).

وطرح الكتاب من خلال هذه الروايات عدّة تمثلات ميّزت الهوية في الرواية، لعل أبرزها:
الهوية الدينية، والهوية الثقافية، والهويّة الوطنية، والهويّة القومية التي تم
فيها طرح قضية القومية العربية في مواجهة الاختراق الصهيوني، فضلا عن القضية
الفلسطينية، كما تم التركيز على حضور الآخر في الروايات؛ إذ لطالما شكل الآخر
الغربي والمرأة الغربية موضوعا ثريا في المخيال
الشرقي متخذين صورا وأشكالًا متعددة تعد انعكاسًا لطبيعة العلاقة التي تربط
بين الشرق والغرب أو بين الأنا والآخر، فمعرفة الآخر أمر ضروري لتحديد طبيعة
العلاقة التي تربطه بالأنا والتحدّيات التي تواجهها. ويركز الفصل الأخير من الكتاب على تأثير التغيرات المكانية والزمنية في
تشكيل هوية الشخصية الروائية وفهمها لذاتها والعالم من حولها.

وقالت الدكتورة فتحية حسني مؤلفة الكتاب: “ما يمكن قوله ختاما أنّ
المتتبّع لمسار الحركة الإبداعية الجزائرية، خاصة الروائية منها، يجد أن موضوع
الاستعمار والهجرة كثيرا ما كان يوظف مرجعية تاريخية تؤسس للعلاقة بين كل من الأنا
والآخر بشقيها الإيجابي والسلبي. وقد استطاع المبدعون من خلال الروايات موضوع
الدراسة أن يطرحوا موضوع الهوية والآخر بصور وأشكال متعدّدة أسهمت في رسم معالم
الأنا وهويّتها في مقابل هوية الآخر التي تسعى لفرض وجودها أمام الأنا” .

وأضافت “إن نظرة متفحّصة لسيرورة العالم وما خلّفته التكنولوجيا
تبرز واقع الهيمنة الغربية على مختلف الأصعدة، خاصة مع تزايد ظاهرة العولمة كسلاح
غربي وكذلك التطورات الحاصلة في مختلف الميادين العلمية والمعرفية، وكان لذلك أثره
البالغ على الأنا العربية التي ما لبثت أن سايرت التحولات وغدت مغلّفة في ثوب غربي
فرضه بأساليب عصرية غير مباشرة، ما يؤكد على حال التبعية للعالم الغربي، إذ يغدو
العالم العربي كيانا بلا هويّة، وقصد الخروج من حال الاستتباع وجب التأكيد على
وحدة الانتماء للقومية العربية والتأكيد على الشخصية الإسلامية التي تتميّز بأنها
محصّنة من كافة التأثيرات الهادمة.

/العُمانية/
ميلود بن عمار