قلعة الطفيلة: شاهدٌ على تتابع الثقافات في أرض الأردن

قلعة الطفيلة: شاهدٌ على تتابع الثقافات في أرض الأردن

عمّان، في
21 يوليو/العُمانية/ تطلّ قلعة الطفيلة على المنحدرات والأودية المحيطة بمدينة
الطفيلة جنوب الأردن، وتشرف على جبال الخليل الفلسطينية غربًا، وتمتلك القلعة التي
يعود تاريخ إنشائها إلى الحضارة الأدومية، أهمية استراتيجية كبيرة عبر تاريخها
الممتد منذ آلاف السنين حتى العصور الإسلامية الوسطى والعصرين المملوكي والعثماني،
فقد استُخدمت كمقرّ للمراقبة والسيطرة، وكمركز للحماية من مخاطر الغزو التي هدّدت
المنطقة.

وقد تعرّضت
القلعة للعديد من الكوارث الطبيعية وحدثت حروب عدة في محيطها، مما أدى إلى تدمير
أجزاء منها وإعادة بنائها عدة مرات، وما بقي ماثلًا منها حتى زمننا الحاضر هو
نتيجةُ الإعمار العثماني الذي دعم البناء وعمل على تقويته وتعزيز صمود حجارته.

أما في
العصر الحديث فتضررت القلعة بتأثير من الزلازل التي شهدتها المنطقة، أبرزها زلزال
عام1927 الذي دمّر أجزاء واسعة منها؛ الأمر الذي تطلّب عمليات ترميم متعددة، آخرها
الترميم الأحدث عام 2016 الذي استخدم حجارة جديدة تعزز ثبات الهيكل الخارجي لجدران
القلعة وأروقتها.

وتبلغ
مساحة القلعة ما يقارب 400 متر مربع، وصُممت بشكل مستطيل يوضح التنظيم العسكري
البسيط آنذاك، مع بوابة رئيسة ضخمة تنفتح على جهة الشرق، وما إن يعبر الزائر
البوابة حتى تواجهه ساحة داخلية مرصوفة بحجارة ضخمة، وفي وسطها بئر ماء عميقة
صُمِّمت بشكل أسطواني، ويرى الباحثون أنه كان يُستخدم لتأمين سكان القلعة بالماء
في حالات الحصار خلال فترات الحروب.

كما تمتد
أسفل القلعة شبكةٌ من الأنفاق السرية التي تقود إلى عيون ماء تحيط بالمكان، مثل
“الجهير” و”العنصر” و”علقا”، وتبلغ مسافة بعضها نحو
300 متر من موقع القلعة حتى الوصول إلى النبع، وربما يعود ذلك إلى الحاجة لتوفير
مصادر مياه آمنة للقلعة خلال عمليات الدفاع في حال جفت ماء البئر أو تسّربت لسبب
من الأسباب.

وأقيمت
الجدران الداخلية للقلعة على شكل درجتين؛ أي أن الجدار ليس بالاستقامة نفسها،
فهناك فاصل على شكل درجة وسط المسافة ليسهّل صعود المدافعين عنها إلى أعلاها
وليضعوا على هذه الدرجة التي تتوسط المسافة بعضَ العتاد والسلاح والتموين، كما
صُممت فتحات الجدران الخارجية بطريقة مناسبة لرمي السهام أو التصويب بالبنادق خلال
فترتي حكم المماليك والعثمانيين للمنطقة، مع توفير رؤية جيدة للمحيط بسبب ارتفاع
القلعة الذي أهّلها لتكون برجًا مثاليًا لمراقبة المنطقة المحيطة بها والتي تشكل
مشهدًا طبيعيًّا مدهشًا يضم غابات وينابيع وأودية عميقة.

وبالرغم من
الأهمية التاريخية التي تمثلها القلعة، إلا أن الباحثين لم يعثروا فيها على أيّ
نقوش أو كتابات؛ ما يجعل من توثيقها بشكل دقيق وتحديد التواريخ المتعلقة بها أمرًا
صعبًا، وهذا ما دفع الدارسين للاعتماد على المراجع التاريخية المكتوبة أو الروايات
الشفوية المتناقلة أو التحليل المباشر للُّقى والآثار التي عُثر عليها في الموقع.

وفي عام 2016
أطلقت وزارة السياحة والآثار مشروعًا لترميم القلعة وإعادة تأهيل الشارع السياحي
القديم والدكاكين التقليدية فيه بطراز معماري تراثي، كما تم ترميم مبنى المسجد
المبني في أوائل القرن العشرين وتحويل المدرسة القريبة إلى متحف يعرض مقتنيات
محافظة الطفيلة الأثرية.

وتمثل قلعة
الطفيلة اليوم رمزًا يذكّر بتعاقب الحضارات القديمة على المنطقة، فهي شاهدة على
مراحل تاريخية متعددة بدءًا من الأدوميين مرورًا بالرومان والعرب والعثمانيين، ومع
أنها تخلو من التفاصيل المعمارية الملفتة أو النقوش والزخارف، إلا أن موقعها
الاستراتيجي وبنيتها العسكرية البسيطة تؤشران على بُعد رمزي عابر للأزمنة، كما تعد
عنصرا أساسيًّا يحمل ذاكرة المكان، إذ كانت النواة الأولى التي استدارت حولها بيوت
المدينة، ومركزًا للجذب وفّر للسكان أمنًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا.

/العُمانية/ النشرة الثقافية/ شيخة
الشحية