أول ترجمة عربية لقوانين حمورابي من نصها المسماري من إعداد الباحث نائل حنون

نزوى في 15
يوليو /العُمانية/ أصدر الأستاذ الدكتور نائل حنون، الباحث بمركز
الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية بجامعة نزوى، كتابًا بعنوان
“سِفْر العدالة”، ويُعد أول ترجمة عربية مباشرة لشريعة حمورابي من أصلها المسماري.
ويُعد هذا
الإصدار خطوة غير مسبوقة في ميدان الدراسات القانونية والمسمارية، حيث يقدم ترجمة
علمية موثوقة من اللغة الأكادية، مكتوبة بالخط المسماري، إلى اللغة العربية، دون
وسيط لغوي أجنبي، وهو ما غاب طويلًا عن المكتبة العربية.
وقال الدكتور نائل حنون إن النص بقراءته وترجمته العربية وشرح قواعده وتحليل مفرداته وسيلة
بيد المتخصصين وغير المتخصصين للتعرف على مجال مهم في دراسة الحضارة والفكر
واللغات القديمة.
وتأتي هذه
الترجمة لتناسب جمهور القراء العرب من مثقفين وباحثين وطلبة علم، حيث التزم فيها
المؤلف بمنهجية أكاديمية دقيقة تخدم البعد الثقافي والمعرفي، حيث يبرز الجذور
اللغوية والتاريخية العميقة التي تربط بين اللغة العربية واللغة الأكادية، بوصفهما
تنتميان إلى الأسرة السامية.
ويؤكد المؤلف على أن أهمية ترجمة
مثل هذا النص لا تقتصر على نقل محتواه، بل تمتد إلى استعادة اللغة العربية لدورها
الطبيعي في حقل الدراسات المسمارية، وإبراز صلتها الوثيقة بالأكاديمية، حيث تشترك
اللغتان في بنية نحوية وصرفية ومعجمية متقاربة.
وأشار إلى أن شريعة حمورابي ليست فقط أقدم القوانين المكتوبة وأكثرها
اكتمالًا، بل هي إرث إنساني يعكس نضج الفكر القانوني في حضارة وادي الرافدين، من
حيث تنظيم الدولة، وضبط العلاقات الاجتماعية، وضمان العدالة واحترام حقوق الإنسان.
ووضح أن هذا
العمل لا يخدم الدراسات القانونية فقط، بل يشكل مدخلًا مهمًا لتدريس اللغة
الأكادية وفهم آليات الفكر القانوني القديم في الجامعات العربية، بما يسهم في سد
فجوة معرفية طالما عانت منها الأوساط الأكاديمية العربية، كما يعزز حضور اللغة
العربية كمفتاح لفهم تراث حضاري عريق، وأن الكتاب في مضمونه ومحتواه يمثل وثيقة
حضارية ومعرفية، يعيد من خلالها إحياء روح العدالة التي نادى بها حمورابي قبل نحو
٣٧٠٠ عام، ويجدد التذكير بعراقة حضارات الشرق الأدنى، ودور اللغة العربية في حمل
هذا الإرث العظيم للأجيال المعاصرة.
وبيّن أن
شريعة حمورابي لم تكن محصورة في زمنها أو مكانها، بل ظل تأثيرها ممتدا، إذ أخذت
منها أحكام كثيرة في “الكتاب المقدس”، ثم انتقل إلى الإغريق، فالرومان، وصولًا إلى
القانون الفرنسي، الذي تأثرت به التشريعات المصرية الحديثة، والتي بدورها أثّرت في
قوانين العراق وعدد من بلدان المشرق العربي، واصفا هذه الرحلة القانونية بأنها
دورة كاملة، من بابل إلى أوروبا، ثم عودتها إلى المشرق العربي.
وذكر أن المشروع لم يكن
مجرد ترجمة، بل تأسيسًا لبيئة عربية متخصصة في قراءة المسماريات، واستحداث منظومة
لغوية دقيقة لفهم النصوص الأكادية، وتعريب المفردات، وتجاوز النظام اللاتيني
المستخدم تقليديًا في هذا الحقل، مشيرا إلى أن النص الأكادي لشريعة حمورابي ثري
لغويا، ومنضبط نحويا، ما يجعله نصا تدريبيا في الجامعات الغربية، فيما يحرم الطلاب
العرب من دراسته بلغتهم، وهذا يُحدث فجوة علمية لاحقا في دراساتهم.
أما عن دلالة عنوان “سُفرة العدالة”، فيقول حنون إن كلمة “سفر” تعني “كتاب” في العربية واللغات السامية، ومنها
الأكادية والآرامية، وقد وردت بهذا المعنى في النصوص القديمة، واستخدم هذا العنوان
ليدل على أن الشريعة ليست مجرد نص قانوني، بل “سفر” كامل، بمحتوى متكامل لغويًا
وقانونيًا وفكريًا.
جدير
بالذكر أن الكتاب سيتم تدشينه في نوفمبر المقبل وتحديدا معرض الشارقة الدولي
للكتاب، ضمن مشاركة علمية وثقافية تعكس أهمية هذا المشروع في إحياء التراث
القانوني للحضارات، وإعادة تقديمه للقارئ العربي بصيغة دقيقة ومعاصرة.
/العُمانية/
عبدالله الهاشمي/ شيخة الشحية