المبتكرون والعطلة: فرصة لاسترجاع التوازن وتنظيم الأفكار من جديد

الجزائر في 30 يونيو /العُمانية/ يبدو
أنّ مفهوم الإجازة وماهيتها، لا تختلف في جوهرها بين عامة الناس، والنخب المثقفة
والمبدعة، فهي فرصة للترويح عن النفس وشحن الذات بالطاقة لإتمام مسيرة الحياة
بعطاء أفضل، غير أنّ مفهوم الإجازة يختلف بين المثقفين ويتباين من واحد إلى آخر،
في بعض التفاصيل.
وفي هذا الشأن، يؤكد الروائيُّ،
علي هجرسي، في حديث لوكالة الأنباء العُمانية على أن الإجازة بالنسبة له ليست
مجرّد انقطاع عن العمل أو الدراسة، بل هي فترة استراحة من الضجيج الخارجي لاستعادة
التوازن الداخلي، وهي فرصة ضرورية لأجل إعادة ترتيب الأفكار، وتصفية الذهن،
واستعادة النفس الطويل في القراءة والكتابة.
ويضيف أن فصل الصيف بالنسبة له هو موسم
المطالعة الحرّة، بعيدا عن ضغوط الدراسة أو الالتزامات الأكاديمية، لذلك هو يختار
كتبًا كان قد أجّلها طوال السنة، سواء في الرواية أو الفلسفة أو كتب التاريخ
الثقافي، في إشارة إلى أن القراءة ليست مجرّد عادة، بل ضرورة وجودية، وهي التي
تمنحه المعنى في عالم كثير التشويش. أمّا عن الكتابة، ففي الإجازات يرى أن بها
فرصة للعودة إلى بعض النصوص التي كتبها خلال السنة، والعمل على تدقيقها،
ومراجعتها، وترتيبها، وربما إعادة كتابتها من جديد، ويقول إن الكتابة تحتاج إلى
صفاء ذهني لا يجده إلا في هذه الفترات، حين يتراجع وقع العالم من حولي، فأصغي
لصوتي الداخلي.
من جهة أخرى، يفضّل الفنان التشكيلي عزيز
عياشين، قضاء إجازته في زاوية هادئة من ريف ولاية الشلف (غرب الجزائر)، حيث تتعانق
الخضرة مع زرقة السّماء، وهو يختار قضاء إجازته الصيفية بعد عام مليء بالعمل في
مهنة التكوين المهني وتقاسم جلّ أوقاته بين التدريس والرسم، بعيدًا عن صخب المدينة
وزخم المعارض.
ويقول عياشين “ليست الإجازة مجرّد
فسحة استجمام، بل هي امتداد طبيعي لحياة الفنان المبدعة، حيث يلتقي الجمال الخارجي
بوهج الرؤية الفنيّة، وبما أنّني اعتدتُ على الترحال بين العواصم الثقافية
والمعارض الدولية، أختار هذه المرّة العودة إلى الجذور، لأقضي أوقاتي في أحضان
الطبيعة، متنقلًا بين الجبال والسهول، مستمتعًا بهدوء الأماكن التي طالما ألهمتني،
فبالنسبة لي الهدوء لا يعني التوقف عن الإبداع، بل هو أعمق لحظة يُولد فيها العمل
الفني، حيث تشهد بعض الإجازات ولادة عدّة لوحات جديدة.
ويضيف “أحيانًا، ضوء غروب على قمّة
جبل، أو ظل شجرة في منتصف النهار، يمنحني فكرة لا يمكن تصوُّرها في داخل مرسم
مغلق، كما أحرص خلال هذه الإجازات على زيارة بعض الزوايا التاريخيّة والمعالم
الروحيّة القديمة في المنطقة، بحثًا عن الطمأنينة والصفاء الداخلي، الذي ينعكس
بدوره على لوحاتي؛ فالفنُّ بالنسبة لي ليس مجرد خطوط وألوان، بل هو تجربة روحية
وحسيّة متكاملة”.
أمّا الشّاعر، نور الدين مبخوتي، فيطرح
السؤال من زاوية أخرى، إذ يقول “كيف يقضي الأدباء إجازاتهم؟ هذا السؤال غالبا
ما يتكرّر في أدبيّات المنابر الإعلامية على تعدُّد مستوياتها وعادة ما تتشعّب
الإجابات ولا تأخذ منحى واحدا؛ فممّا سمعته من ردود بهذا الصدد أنّ البعض منهم
يعتزل القراءة والكتابة بشكل نهائي لتجديد النشاط لاحقا، ومن ضمن هؤلاء نجيب
محفوظ، وفي مقابل هذه الزمرة هناك من يحافظ على عادة القراءة والكتابة، وإن كان
النشاط الأول يتمُّ بصورة أخفّ وأسرع، أي أنّ المطالعات تكون مثلا للصحف والمواقع
الإلكترونية، بعيدا عن أمّهات الكتب التي تستغرق جهدا وطاقة أكبر.
ويضيف أنه بعيدا عن الهاجس القرائي يبقى
السفر هو الرافد الأكثر استقطابا لحمولاته الثقافية التي تُمتّع العقل والروح معا،
والكثير من المشروعات الثقافية المعطلة تنجز مرات في هذا الترحال بين الفضاءات
التي تختارها الذات المبدعة، فالإجازات بالنسبة للأدباء هي رأس مال لكسر رتابة
الحياة ودواليبها الضاغطة، وشكل من أشكال الانفتاح على الوجود والحياة من خلال
الانتباه إلى التفاصيل البهيّة التي تضيع بالإكراه في الزحام.
كما يصف الشاعر الإجازة على أنها استراحة
محارب ولحظة صفاء ذهني وإنصات لمكنونات الذات في زمن يركض ركضًا بإيقاع سريع
تتبدّل فيه الأشياء وتتلوّن كالحرباء، وأنها تمرُّد فردي على الخط المرسوم المحدّد
سلفًا الذي يفرضه منطق الحياة، وكونها بمثابة مسرح فضاء يمنح للذات لكي تمثل
أدوارها حسب ذوقها ولمساتها الإخراجية كما تمليها الرغبة الفردية والنزعات
الشخصية.
وترى الروائية لطيفة بروال أنّ الإجازة
الصيفيّة تعدُّ فرصة ذهبية لقضاء وقت مريح مع العائلة وممارسة هواياتهم المختلفة
من رياضة وسفر ولقاءات عائلية ومناسبات اجتماعية، وفرصة لتجديد الطاقة الجسدية والعقلية
لاستقبال موسم جديد بمنتهى الجدّ والنشاط، وهو الأمر نفسه بالنسبة للكتاب وصُنّاع
الفكر والأدب؛ هؤلاء الذين لهم طقوس مختلفة ومتنوّعة في قضاء الإجازة والتفرُّغ
لها.
وتضيف أنه من عادتها ككاتبة أن تعتبر
الإجازة فرصة للاسترخاء وأخذ قسط من الراحة بعد ممارسة فعل التفكير والكتابة لمدّة
طويلة تمتدُّ لشهور متتالية، وبالتالي فهي ترى أنه من المهمّ جدًّا للكاتب، كما
لأيّ إنسان آخر، اغتنام فرصة الإجازة لتجديد الطاقة وتهيئة الجسم والعقل لبداية
متجدّدة بعد انقضائها.
من جهة أخرى، تقول الروائيّة والشاعرة،
مسعودة مصباح إنها ككاتبة تحاول استغلال الإجازة الصيفيّة بكلّ التفاصيل في أمور
كثيرة تتعلّق بالكتابة والتصحيح وإعداد ما أنجزت من قصائد أو قصص، وترتيب كلّ ما
كتبته من إبداعات في مسودات، قصد طبعها وإصدارها في المستقبل القريب، كما تعتبر
الإجازة الصيفية فرصة جميلة للتصييف والتخييم على شاطئ البحر، بين الحين والآخر،
مع العائلة وتغيير الجو والروتين، كما تشكل لها فرصة للمشاركة ببعض الملتقيات
الأدبية والأمسيات الشعرية.
/العُمانية/ النشرة الثقافية/ شيخة
الشحية /