هل لديك تصريح؟!.. كيف أوقفت المادة 12 الصحافة؟

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
“أنت معاك تصريح تصور وتكلم الناس؟”
بات هذا السؤال شبحا يطارد الصحفيين والمصورين الصحفيين في شوارع مصر المحروسة.
لم يعد السؤال العجيب قاصرا على الأمن. ربما يسألك مسؤولا محليا السؤال السحري ليمنعك من تغطية أي أزمة، ربما تنعكس بالسلب عليه. بل أحيانا يكون السؤال من مواطن عادي يخشى إغضاب مسؤول محلي، لمجرد أنه يعلم أن الأمر إذا تطور وتدخل الأمن سيكون هذا السؤال عصا سحرة فرعون التي ستضع من يصور أي تجاوز في قفص الاتهام.
*
“للصحفي أو الإعلامي في سبيل تأدية عمله الحق في حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة، وإجراء اللقاءات مع المواطنين، والتصوير في الأماكن العامة غير المحظور تصويرها، وذلك بعد الحصول على التصاريح اللازمة في الأحوال التي تتطلب ذلك”..
نص المادة 12 من تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018.
رغم أن ظاهر المادة يعكس نية في تنظيم العمل الإعلامي إلا أن صياغتها الفضفاضة تفتح الباب أمام استخدامها في قمع حرية الصحافة. وما بعد كلمة “وذلك” في المادة، بنى جدرانا أسمنتية تعوق عمل الصحفي.
ففي ليلة وضحاها بات التصوير الصحفي في شوارع مصر كلها يستلزم تصريحا خاصا من الأجهزة الأمنية. وأي تصوير صحفي دونه يضع الصحفي والمصور الصحفي رهينة أمر المسؤولين.
فتخيل مثلا، صحفي شاهد حادث انفجار خط غاز الواحات، وقرر القيام بعمله بالتغطية والتصوير. يأتيه أمين شرطة يسأله عن التصريح ثم يحتجزه، ويقرر الضابط إذا ما كان سيكتفي باحتجازه أم سيحرك الأمر للنيابة!! والتهمة التصوير بدون تصريح!!
تخيل، واقعة فساد في إدارة محلية، يتحرك صحفي لتغطيتها ويجري مقابلات مع الأهالي، فيأتيه المسؤول المحلي المتهم بالتقصير، ويبلغه بأدب مصطنع: “أنت تجري المقابلات بدون تصريح، إما أن توقف المقابلات وتمسح ما معك من مادة أو سأبلغ الشرطة”. وعندما يبلغها يحتجز الصحفي بتهمة إجراء مقابلات في مكان عام بدون تصريح!
*
“وذلك بعد الحصول على التصاريح اللازمة في الأحوال التي تتطلب ذلك”.. هكذا تركت المادة 12 الأمور مفتوحة. لا هي حددت وجه اللزوم في اللازمة. ولا هي حصرت الأحوال التي تتطلب ذلك. فبات التقييد مفتوحا للمشاع، وقتما أرادته السلطة التنفيذية لمنع الصحفي من أداء عمله. وهو ما يتعارض مع 3 مواد متتالية من القانون نفسه، هي:
مادة 9
للصحفي أو الإعلامي حق نشر المعلومات والبيانات والأخبار التي لا يحظر القانون إفشاءها.
وتلتزم الجهات الحكومية والجهات العامة الأخرى بإنشاء إدارة أو مكتب أو موقع إلكتروني للاتصال بالصحافة والإعلام لتمكين الصحفي أو الإعلامي من الحصول على البيانات والمعلومات والأخبار.
مادة 10
يحظر فرض أي قيود تعوق توفير المعلومات وإتاحتها، أو تحول دون تكافؤ الفرص بين مختلف الصحف المطبوعة والإلكترونية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، أو حقها في الحصول على المعلومات، وذلك كله دون الإخلال بمقتضيات الأمن القومي، والدفاع عن الوطن.
مادة 11
مع مراعاة أحكام المادتين (9، 10) من هذا القانون، للصحفي أو الإعلامي الحق في تلقي إجابة على ما يستفسر عنه من معلومات وبيانات وأخبار، وذلك ما لم تكن هذه المعلومات أو البيانات أو الأخبار سرية بطبيعتها أو طبقا للقانون.
والآن، تقف وسائل الإعلام شهورا في انتظار الرد على طلب تصريح بالتصوير وتغطية الأحداث في الشارع. ولا شيء يلزم الجهة الأمنية بالرد، ولا يتيح لوسائل الإعلام بالتغطية الميدانية. ليترك الباب لأي مدون أو مواطن لينقل ما يحدث، وربما رؤيته هو لما يحدث، حتى وإن شابها التحريف. دون أن يكون لدى وسائل الإعلام الأدوات اللازمة لتوضيح الحقيقة الصحفية للأحداث.
ولا يعرف القائمون على وسائل الإعلام ما هي “الأحوال التي تتطلب ذلك”، ما يترك القوس مفتوحا ليشمل أي شيء وفق هوى المسئول. حتى أن مسؤولين محليين وممثلي مكاتب اتصال بالوزارات باتوا يردون على استفسارات الصحفيين بالقول “لا ما تنشرش”.
وباتت السلطة الرابعة رهينة المادة 12، فلا هي قادرة على ممارسة دورها الرقابي، ولا هي قادرة على ممارسة دورها الأولي في نشر المعلومات. ما استدعى تحرك نقابة الصحفيين بطرق مختلفة للمطالبة بتعديل هذه المادة، بينها إطلاق حملة توقيعات من الصحفيين وأعضاء الجمعية العمومية، وحملة تدوين حول الأضرار التي تتسبب فيها المادة 12، وتأثيرها السلبي على عمل الصحفيين. وهذه دعوة للتدوين تحت هاشتاج #تعديل_المادة12_قانون_الصحافة