صباح نوفل: حكاية امرأة سبعينية من الشرقية تكدح لمدة 12 ساعة يومياً لرعاية أحفادها

الشرقية – ياسمين عزت:
عند الفجر، بينما يغفو الكثيرون في بيوتهم الدافئة، تفتح “صباح نوفل” باب محلها الصغير في شارع المحكمة بمدينة الزقازيق، الشارع الذي لا تهدأ فيه الخطوات يشهد كل يوم على حكاية امرأة سبعينية تتجاوز جسدها المرهق لتمنح الحياة معنى آخر.
صباح، التي بلغت الثالثة والسبعين من عمرها، لم تعرف يومًا معنى التقاعد. فمنذ أن كان عمرها 16 عامًا وهي تعمل، تكافح جنبًا إلى جنب مع زوجها. لم تكتفِ بحمل أعباء الحياة معه، بل حملت اسمه أيضًا من فرط حبها له، فأصبحت تعرف بين الناس بـ”صباح نوفل”. تقول بابتسامة يغلبها الحنين: “كان جوزي كل أسبوع يهديني خاتم دهب أو سلسلة.. كان الزوج والأب والأخ والصاحب.”
في محلها الصغير، تقدم السندوتشات الشعبية البسيطة التي يجد فيها الزبائن طعمًا لا يخبو. ورغم قسوة الأيام عاشا في رضا وسكينة، حتى خطف الموت زوجها قبل سبع سنوات. لكن صباح لم تنكسر، بل واصلت الدرب ذاته، ضاعفت جهدها لتكمل المسيرة وحدها، وتنفق على أبنائها وأحفادها، خاصة بعد وفاة زوج ابنتها واعتماد أحفادها على دخلها الضئيل.
تستيقظ قبل طلوع الشمس، تصلي الفجر، ثم تبدأ عملها. أكثر من 12 ساعة تقضيها بين تحضير العيش البلدي والفينو، وتجهيز السندوتشات التي لا يتجاوز سعرها 10 جنيهات، لتكون في متناول كل يد، رغم أن جودتها تفوق كثيرًا مما تقدمه محلات أكبر. ورغم مشقة الساعات الطويلة، لا تكل ولا تمل، وكأنها خُلقت لتظل في حالة عمل دائم.
وحين تسألها عن سر استمرارها تقول: “التعب أهون من ذل الاحتياج.. الشغل عبادة، والست اللي تساعد جوزها أو تشيل بيتها لوحدها، ربنا بيرزقها بركة في العمر والأولاد.”
ورغم تعب السنين، تبقى أمنية صباح بسيطة: أن يرزقها الله عمرة، وأن يزيد رزقها لتشتري بضاعة أكثر لمحلها الصغير، علّ الخير يتضاعف لأبنائها وأحفادها الذين يعيشون تحت جناحيها.
صباح نوفل ليست مجرد امرأة عاملة تخطت السبعين، بل رمز حي لقوة الإرادة، ولحب صادق ظل ممتدًا حتى بعد غياب صاحبه، ولإصرار امرأة قررت أن تجعل من العمل طريق عزتها وكرامتها، مهما طال بها العمر.