ارتباك في حسابات تل أبيب: ما دلالة قرار ألمانيا بوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل؟

ارتباك في حسابات تل أبيب: ما دلالة قرار ألمانيا بوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل؟

القاهرة- مصراوي

أعلنت ألمانيا، التي تُعد من أقرب حلفاء إسرائيل وأحد أكبر موردي الأسلحة لها في أوروبا، عن قرار وقف تصدير المعدات العسكرية التي يمكن استخدامها في قطاع غزة “حتى إشعار آخر“، في رد فعل سريع على قرار إسرائيل بتوسيع عملياتها العسكرية في مدينة غزة.

قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس إن عمليات الجيش الإسرائيلي المشددة في غزة، التي أقرها مجلس الأمن الإسرائيلي، تجعل من الصعب تحقيق أهداف مثل الإفراج عن الأسرى أو نزع سلاح حماس. وأضاف أن الحكومة الألمانية لن تمنح تصاريح لتصدير أي معدات عسكرية يمكن استخدامها في غزة في ظل هذه الظروف.

تمثل هذه الخطوة تحوّلاً كبيراً عن موقف ألمانيا التقليدي الداعم لإسرائيل، وهو موقف يستند إلى مسؤولية تاريخية بعد مآسي الهولوكوست، حيث كانت ألمانيا من أشد المدافعين عن إسرائيل مقارنةً بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى. ومع ذلك، فقد دفعت التداعيات الإنسانية المتفاقمة في غزة، وحصار الإمدادات الإنسانية، إلى زيادة الضغوط داخل ألمانيا لاتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه تصدير الأسلحة.

تُعد ألمانيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، حيث شكلت صادرات الأسلحة الألمانية حوالي 30% من واردات إسرائيل العسكرية بين 2019 و2023، وتركزت غالبًا على معدات بحرية مثل فرقاطات ساar 6 التي استخدمت في النزاع الجاري.

رغم ذلك، لم تعلن ألمانيا عن حظر كامل لتصدير الأسلحة، بل فقط تعليقًا على المعدات التي يمكن استخدامها بشكل مباشر في غزة، مما يتيح استمرار صادرات أنظمة أخرى مثل الدفاع الصاروخي والمعدات البحرية.

كما شدد المستشار ميرتس على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وضرورة إطلاق سراح الأسرى، مشدداً على أن تقديم المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين في غزة يجب أن يتم دون قيود، ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى تجنب مزيد من الإجراءات التي قد تؤدي إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية.

بالتالي، قرار ألمانيا بوقف صادرات الأسلحة التي يمكن أن تُستخدم في غزة يشكل خطوة كبيرة تعكس قلقاً متزايداً من الأوضاع الإنسانية والصراع الجاري، ويؤدي إلى عزل سياسي أعمق لإسرائيل على الساحة الدولية، مع الإبقاء على دعم أمني مع حدود واضحة نتيجة الظروف الحالية.

2

في أعقاب الإعلان، أبدى عدة سياسيين دعمهم للقرار، من بينهم نائب المستشار لارس كلينجبيل، زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD)، العضو الصغير في ائتلاف الحكومة الألمانية، الذي قال: “هذا هو القرار الصحيح“.

لكن آخرين عبّروا عن استيائهم عبر الإنترنت، من بينهم يوهانه وينكل، رئيس الاتحاد الشبابي، الذي كتب: “إسرائيل تقوم بالأعمال القذرة نيابة عنا بدءًا من اليوم، فقط بدون الأسلحة الألمانية“.

وقالت الجمعية الألمانية-الإسرائيلية في بيان: “إذا ظل هذا القرار من قبل الحكومة الألمانية ساريًا، فسيكون ذلك نقطة انتصار لحماس في الحرب الدعائية العالمية“.

3

بعد الولايات المتحدة، تُعد ألمانيا واحدة من أكبر المصدرين للأسلحة إلى إسرائيل.

في عام 2023، وافقت على صادرات أسلحة بقيمة 326.5 مليون يورو (283 مليون جنيه استرليني)، شملت معدات عسكرية وأسلحة حربية، وفقًا لتقارير رويترز استنادًا إلى بيانات من وزارة الاقتصاد.

وفي العام الماضي، انخفضت الموافقات إلى النصف لتصل إلى 161 مليون يورو (140 مليون جنيه استرلينيوذلك تزامنًا مع تحدي قانوني رفعته منظمات حقوق الإنسان التي أعربت عن قلقها من الاستخدام المحتمل للأسلحة الألمانية في حرب غزة.

يقول جوستاف جريسل، المحلل العسكري في الأكاديمية الوطنية للدفاع للقوات المسلحة النمساوية لشبكة سكاي نيوز البريطانية: “من الناحية الأخلاقية، هذا تحول كبير لألمانيا، لكن عمليًا ليست له أهمية كبيرة.”

ووفقًا لمصادره في الصناعة، فإن غالبية الصفقات هذا العام كانت متعلقة بالبحرية وتشمل عناصر مثل الغواصات، التي لن تُستخدم في قطاع غزة. ولكن هذا لا يعني أن هذه الخطوة غير مهمة“.

يقول الدكتور غريسل: “إنها تحوّل ضخم وضربة قوية. لكن لا يزال هناك قدر كبير من التعاطف مع إسرائيل. البيئة الألمانية أكثر مؤيدة لإسرائيل مقارنة بالمملكة المتحدة، لذا من الناحية الرمزية، الأمر دراماتيكي جدًا“.

صورة 5 غزة

كانت ألمانيا، بسبب ماضيها النازي ومسؤوليتها التاريخية عن المحرقة، تحظى بعلاقة “خاصة” مع إسرائيل وكانت من أكبر الداعمين لها عبر السنين.

كما أن لدى ألمانيا سياسة بعدم إرسال الأسلحة إلى مناطق الصراعات النشطة، لكنها كانت قد منحت إسرائيل استثناءً لأسباب تتعلق بالدفاع الوطني.

في الأشهر التي تلت هجمات 7 أكتوبر، وحتى مع تزايد انتقادات بعض حلفاء ألمانيا لأفعال بنيامين نتنياهو، لم تتراجع برلين عن دعمها لإسرائيل. لكن مؤخرًا لوحظ تحول في نبرة الحكومة الألمانية وموقفها.

في مقابلة نهاية مايو، أعلن وزير الخارجية يوهان واديبول مراجعة صادرات الأسلحة إلى إسرائيل بناءً على احتمال حدوث انتهاكات للقانون الإنساني الدولي في غزة. قال واديبول في مقابلة مع صحيفة Suddeutsche Zeitung: “نحن نفحص ما إذا كان ما يحدث في قطاع غزة متوافقًا مع القانون الإنساني الدولي.” وأضاف: “سيتم ترخيص المزيد من عمليات التسليم بناءً على نتائج هذه المراجعة“.

كما طلب واديبول توخي الحذر، مشيرًا إلى أن استمرار الانتهاكات قد يؤدي إلى فرض قيود على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تصاعدت الدعوات داخل الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD) لوقف صادرات الأسلحة.

وخلال زيارة إلى القدس في بداية أغسطس، حذر وزير الخارجية من أن إسرائيل معرضة لخطر العزلة الدولية، مضيفًا أن ألمانيا ترى من واجبها استخدام كل ما تستطيع لمنع ذلك، في إشارة إلى “الواجب التاريخي المستمر” لألمانيا تجاه أمن إسرائيل.