جولة جديدة من المساعدات لغزة “المتساقطة من السماء”.. هل ستكون لها فائدة؟

جولة جديدة من المساعدات لغزة “المتساقطة من السماء”.. هل ستكون لها فائدة؟

– مارينا ميلاد:

يتحرك بعض من سكان غزة من خيامهم خلف صوت طائرة سي.سي-130جيه هركليز التابعة للقوات الكندية، والتي حلقت أمس الإثنين لأول مرة فوق أرضهم المدمرة بعد 21 شهراً من الحرب الإسرائيلية، لتلقي عليهم 21,600 بدلًا رطل من المساعدات.. كانوا كمجموعة من الأجساد النحيلة، حافية القدمين أو منتعلة صنادل مهترئة، يترقبون هذه المرة: أين ستسقط الطرود؟. فمنذ بدأت الجولة الجديدة من إنزال المساعدات على غزة بنهاية الشهر الماضي، فقد تسقط أحيانًا بمناطق مصنفة على أنها “إخلاء” و”خطرة” أو في البحر أو فوق رأس أحد من المنتظرين مثل الممرض عدي القرعان، الذي فقد حياته، أمس، نتيجة سقوط صندوق عليه بشكل مباشر في بلدة الزوايدة وسط القطاع.

وفي غزة المصنفة أنها “على شفا المجاعة”، لم تكن تلك الطريقة مجدية على الإطلاق بحسب منظمات ووكالات الأمم المتحدة. فوصفتها جولييت توما (مديرة الإعلام والتواصل في وكالة الأونروا) بأنها “غير فعالة ومكلفة، ومحفوفة بالمخاطر”، وفي رأيهم، فلا بديل عن دخول شاحنات المساعدات برًا.

تنطلق أغلب الطائرات من قاعدة الملك عبدالله الثاني الجوية، وتحمل صناديق مواد غذائية وطبية. وحظيت تلك العمليات بموافقة إسرائيلية وسط تزايد الضغوط الدولية بشأن نقص الغذاء في غزة، التي يعاني 96% من أسرها خلال الأسبوعين الأولين من يوليو مستويات متوسطة إلى عالية من انعدام الأمن المائي – بزيادة 3% مقارنة بشهر يونيو، كما تذكر الأمم المتحدة.

لكن بحسب رصد وتحليل فيديوهات متداولة لعمليات الإنزال التي تغطي كافة أنحاء القطاع، فقد يقع عدد من الصناديق داخل ما يسمى بـ”المناطق الحمراء” التي أصدرت إسرائيل أوامر مسبقة بإخلائها أو أعطتها لقب “خطرة”، ما يصعب وصول السكان إليها. كما أنهم “غير قادرين على التنقل لشق طريقهم عبر الأنقاض والشوارع المزدحمة في محيط خطر جدًا”، بحسب مارفن فورديرر (خبير مساعدات الطوارئ في الجمعية الألمانية لمكافحة الجوع).

وفي بعض الأحيان، تتعطل مظلات الهبوط عن العمل أثناء النزول أو تصطدم بالخيام، ما يؤدي إلى سقوط الطرود فوق الأشخاص، كما أظهرت فيديوهات خلال هذه الأيام. وأشار فرحان حق (نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة)، إلى الإبلاغ عن حدوث إصابات نتيجة لذلك..

وجرى السيناريو نفسه في الجولة الأولى لتوزيع المساعدات بتلك الطريقة أوائل العام الماضي والتي راح خلالها ما لا يقل عن ستة أشخاص وجُرح عدد آخر، وفقًا لسلطات غزة. اقرأ: الحياة ثمن وجبة| وقائع الموت في غزة لأجل الطعام، وهو ما دفع فيليب لازاريني (المفوض العام لوكالة الأونروا)، ليقول الآن، من خلال منشور على منصة (إكس)، “إن العمليات قد تودي بحياة المدنيين الجائعين” إذا وقع شيء خاطئ.

وعلى الرغم من تفاوت تكلفة الإنزال الجوي الواحد بحسب الكمية والتجهيزات والأطقم واحتساب المسافات، فيتفق الخبراء “أن العملية تتكلف أكثر من 35 ضعف تكلفة النقل بالشاحنات”، كما ذكر كل من مركز العمل الإنساني (CHA) للأبحاث في برلين وتحليل أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية للأبحاث بواشنطن. إذ يقول جيريمي كونينديك (رئيس منظمة اللاجئين الدولية)، الذي أشرف سابقًا على عمليات الإنزال الجوي في سوريا والعراق لصالح الحكومة الأمريكية: “عند إنزال الطعام جوًا، يُفترض أن يكون هناك الكثير من التحضير والتخطيط والتواصل. يجب التأكد من أن الإنزال يتم في مكان يعلم الناس بقدومه، وأنك تستطيع تطهير المنطقة، والسيطرة عليها لتجنب خطر تدافع الناس”.

وعلى الأرض، سجلت المستشفيات، اليوم الثلاثاء، 8 حالات وفاة جديدة نتيجة المجاعة وسوء التغذية، ليرتفع عدد ضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 188 شخصا، من بينهم 94 طفلًا، حسب وزارة الصحة بغزة. في وقت تواصل “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF) المثيرة للجدل والمدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل توزيعها لمساعدات محدودة في مراكزها، وقد قتل ما لا يقل عن 1370 شخصا بالتزامن مع بدء عملها 27 مايو أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء؛ منهم 859 في محيط مواقعها و514 على امتداد طرق قوافل المساعدات الغذائية، كما يذكر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. اقرأ: فخ المساعدات.. كيف حولت إسرائيل فتات الطعام لمصائد موت؟

لذا تقول حنين، وهي أم لأربعة أطفال تبلغ من العمر 39 عاماً من مدينة غزة، “كل من يذهب من حولنا لجلب الطعام لأطفاله، يعود على أفضل تقدير بكيس دقيق واحد، وفي أغلب الوقت لا يعود، ولم نحصل على أي شئ من المساعدات الجوية.. نراها تسقط بعيدًا عنا في كل مرة”، ثم تكمل بنبرة يائسة:”تعبنا من كل شئ، لا يوجد لدينا حياة”.

وأمام ذلك، ينفي بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) إن إسرائيل “تشن حملة تجويع في غزة”، فقال خلال مؤتمر في القدس، الأحد: “لا يوجد جوع في غزة وإسرائيل سمحت بدخول الكمية المطلوبة وفقاً للقانون الدولي”. وكرر مجددا اتهامة لحركة حماس بـ”سرقة المساعدات”، الأمر الذي تنفيه الحركة.

في الوقت نفسه، تصطف أكثر من 5 آلاف شاحنة مساعدات في مصر مستعدة لدخول غزة، ولكن الجانب الإسرائيلي يتمركز على الجانب الآخر من معبر رفح، كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء، خلال مؤتمر صحفي، واصفًا الادعاءات التي يرددها البعض بأن مصر تشارك في حصار سكان غزة والمساهمة في تجويعهم هو “إفلاس وأمر غريب”.

وأكد “أن مصر لم تتخل عن دورها في إدخال المساعدات الإنسانية لأهالي قطاع غزة أو تشارك في حصار القطاع، وأن هناك إبادة ممنهجة للقطاع وتصفية للقضية الفلسطينية”، مختتمًا: “وجهت سابقًا نداءً للعالم والدول الأوروبية والرئيس الأمريكي للتدخل لإيقاف الحرب وإدخال المساعدات وأكرر مرة أخرى ندائي لهم جميعًا.. والتاريخ سيتوقف كثيرًا وسيحاسب ويحاكم دولًا كثيرة على موقفها في هذه الحرب والضمير الإنساني العالمي لن يصمت طويلًا”.

اقرأ أيضا:

%250 زيادة في “تصنيف الخطر”.. هكذا يموت سكان غزة جوعًا