مواجهة السلاح: هل تشهد نهاية حزب الله عبر اتفاقية تفاوضية؟

كتبت- سهر عبد الرحيم:
يقف لبنان أمام مرحلة مصيرية في تاريخه السياسي والأمني، يتعلق بمسألة “حصر السلاح في يد الدولة”، إذ تتصاعد الضغوط الدولية على الحكومة اللبنانية للتعامل مع ملف حزب الله، في وقت يصر فيه الحزب على أن سلاحه جزء من منظومة الدفاع الوطني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وبين مطالب الخارج ومخاوف الداخل، تزداد التساؤلات حول مستقبل هذا السلاح، وما إذا كان يشكّل ضمانة لأمن لبنان أم عائقًا أمام استقراره السياسي وعودته إلى الحضن العربي.
بـ”استراتيجية دفاعية”
يقول العميد منير شحادة، المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى بعثة الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام (اليونيفيل)، إن المقاومة اللبنانية لن تسلّم سلاحها إلا في إطار “استراتيجية دفاعية” تضع السلاح في يد الدولة، وتجعل قرار السلم والحرب حصريًا للحكومة اللبنانية.
ويضيف شحادة خلال حديثه لـ”مصراوي”، أن زعيم حزب الله، نعيم قاسم، أكد أن لا وجود لكلمة تسليم أو نزع سلاح الحزب، إلا بعد أن تتولى إسرائيل مسؤولياتها بوقف الغارات على الأراضي اللبنانية، والانسحاب من التلال الخمس التي تحتلها في الجنوب، وتسليم الأسرى والبدء الفعلي في إعادة الإعمار، وقتها ستكون المقاومة جاهزة للجلوس على طاولة المفاوضات مع الدولة اللبنانية لبحث استراتيجية أمن قومي، ووضع استراتيجية دفاعية.
ضغوط أمريكية وإسرائيلية
وفيما يتعلق بالضغوط الأمريكية والإسرائيلية التي يتعرض لها لبنان بشأن نزع سلاح حزب الله، يقول العميد منير شحادة، إن الولايات المتحدة لا تهتم بمصلحة لبنان، والدليل على ذلك أن كل الوفود الأمريكية التي أتت إلى بيروت كانت تقدم مطالب إسرائيلية في المقام الأول تخدم تل أبيب، وفي المقابل، لم تهتم واشنطن بأي مطلب قدمته بيروت.
ويشير شحادة، إلى أن المطلب الأخير الذي قدمه المبعوث الأمريكي الخاص للبنان، توم باراك، نص على أنه “لا ضمانات أمريكية” ولا يمكن إجبار إسرائيل على شئ، إذ هدد باراك لبنان بأنه إذا لم يضمن نزع سلاح حزب الله، فإنه سيعود إلى “بلاد الشام”.
ويذكر شحادة، أنه لو كان مسموحًا للجيش اللبناني بالاحتفاظ بالأسلحة الاستراتيجية، لكان من الممكن أن تعيد المقاومة النظر في مسألة سلاحها، إلا أن الواقع مختلف، إذ إن الولايات المتحدة ألزمت الجيش اللبناني بتدمير أي سلاح يتم مصادرته من حزب الله، وعدم الاحتفاظ به، باعتباره يشكّل خطرًا على إسرائيل.
هل نزع السلاح يضمن وقف الغارات الإسرائيلية؟
في هذا الشأن، يرى العميد منير شحادة، أن نزع سلاح المقاومة اللبنانية “لن يضمن” انسحاب قوات الاحتلال من الجنوب، ووقف غاراتها المستمرة على الأراضي اللبنانية، معتقدًا أنه “في حال تسليم سلاح المقاومة؛ فإن إسرائيل سوف تجتاح كامل لبنان”، والدليل على ذلك، من وجهة نظره، الغارات التي شنها الاحتلال على الأراضي السورية والتي وصلت إلى محيط القصر الرئاسي ووزارة الدفاع.
ويوضح شحادة، أن إسرائيل شنت هذه الغارات على الرغم من أن النظام السوري الجديد أجرى مفاوضات مباشرة مع تل أبيب وأكد أنه لا يشكل تهديدًا عليها، ولكن تعمد الاحتلال قصف مراكز تابعة للجيش السوري بهدف تدمير قدراته الدفاعية ضد أي اعتداءات خارجية.
سلاح حزب الله يهدد الدولة اللبنانية أم أنه موجه ضد إسرائيل فقط؟
يعلق شحادة، قائلًا إن سلاح المقاومة كان هدفه دائمًا الدفاع عن لبنان ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، إذ أجبر هذا السلاح إسرائيل في عام 2000 على الانسحاب من جنوب لبنان، وفي حرب عام 2006 هذا السلاح هو مَن ردع إسرائيل عن اجتياح كامل لبنان، حسب تعبيره.
ويتابع أنه على الرغم من أن حزب الله تلقى ضربات قاسية باغتيال كبار قادته وعلى رأسهم الأمين العام السابق للحزب، حسن نصر الله، في حربه الأخيرة ضد إسرائيل، فإن قوات الاحتلال لم تتمكن من اجتياح لبنان بل تقدمت في بلدة شمع فقط في المحور الغربي على بُعد نحو 4 كيلومترات عن الحدود.
ويوضح أن إسرائيل لم تحقق أهدافها في الحرب الأخيرة إلا بعد التوقيع على اتفاق في 27 نوفمبر الماضي يقضي بانسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، إذ انتهك الاحتلال الهدنة- بغطاء أمريكي- وقام باحتلال 5 مناطق في الجنوب. ويختتم بالقول: “لولا المقاومة لوجدنا إسرائيل وصلت إلى بيروت (العاصمة)”.
حزب الله لا يستطيع الدفاع عن لبنان
لم يتفق مع العميد منير شحادة، الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية ناجي ملاعب، بأن سلاح حزب الله هو من يحمي الدولة اللبنانية، إذ يعتقد ملاعب، أن ما تبقى من سلاح لدى الحزب بعد حربه الأخيرة مع إسرائيل لا يُمكنه من الدفاع عن لبنان.
ويقول ملاعب خلال حديثه لـ”مصراوي”، إنه حزب الله يجب أن يدرك حقيقة “عدم توازن القوة” بينه وبين إسرائيل، وإذا لم يعترف الحزب بذلك فإن هذه “مكابرة في غير محلها”.
ويشير إلى أن حزب الله يروّج لفكرة أنه لن يسلم سلاحه لإسرائيل، “هذا الكلام يهدف إلى إثارة الشارع والبيئة الحاضنة لهذا السلاح (أي الطائفة الشيعية)، وهذا الادعاء غير صحيح، لأنه ليس مطلوب من الحزب تسليم السلاح للاحتلال وإنما للحكومة اللبنانية”، وفقًا لما قاله الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية.
ويذكر ملاعب، أن ما فعله الجيش اللبناني في منطقة تواجد بعثة الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام (اليونيفيل) في الجنوب، هو الاحتفاظ بالأسلحة التي يمكنه الاحتفاظ بها، لافتًا إلى أن هناك أسلحة غير صالحة للاستخدام لذلك وضِعت في مخازن خاضعة لسيطرة الجيش.
ويعتقد ملاعب، أن حزب الله يناور للحصول على مكاسب سياسية مقابل تسليم سلاحه. ويؤكد الباحث أنه على الرغم من أن لبنان يواجه بالفعل ضغوطًا أمريكية وإسرائيلية، فإنه من مصلحته حاليًا أن يتخلص من تلك الضغوط ويعود إلى مساره الصحيح في عالمه العربي.
سلاح الحزب هو ذريعة إسرائيل للتدخل
يوضح الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، ناجي ملاعب، أن إسرائيل تتخذ من مسألة سلاح حزب الله “ذريعة للتدخل” واستمرار احتلال الأراضي اللبنانية وشن الغارات عليها، على الرغم من أن سلاح الحزب كان موجهًا منذ البداية ضد الاحتلال وليس الدولة اللبنانية، ولكن بوجوده قد تطالب أطراف أخرى بالتسلح أيضًا.
ويختتم ملاعب حديثه، قائلًا: إن مسألة نزع سلاح حزب الله لم يعد مطلبًا أمريكيًا أو إسرائيليًا، وإنما مطلبًا من الداخل اللبناني سواء من الحكومة أو من المواطنين أنفسهم، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن لبنان أمام مرحلة مصيرية في مسألة وضع حد للسلاح وحصره في يد الجيش، إلا أنه يمكن التوصل إلى نتيجة خلال فترة ليست ببعيدة في هذا الشأن.