22 صورة توثق رحلة نادية نديم من أفغانستان إلى النجومية بعد فقدان والدها.

حوار- نهى خورشيد:
في عالم الرياضة النسائية، غالباً ما تُقابل النساء تحديات مضاعفة عن الرجال، سواء بسبب قيود مجتمعية ومعتقدات راسخة في بعض الدول، أو بفعل العادات والتقاليد التي ترى في مشاركة الفتيات في الأنشطة الرياضية خروجاً عن المألوف.
من هنا، تتشابه قصص الكثير من الرياضيات في خطوطها العريضة، حيث تبدأ بالكفاح، مروراً بالمثابرة، ثم تتوّج بالوصول إلى القمة.
ومن بين تلك القصص، تبرز حكاية نادية نديم، إذ كانت طفولتها شاهدة على أوقات عصيبة، بدءاً من فقدان والدها الذي أُعدم في وطنها على يد طالبان، إلى حياتها القاسية في مخيم الاجئين في الدنمارك، ولكن ذلك لم يمنعها من تحقيق أحلامها.
وبين مطاردة كرة القدم من جهة، وسعيها لتحقيق حلمها الأكاديمي في الطب من جهة أخرى، رسمت نادية مسار استثنائي لها اختارت به تمثيل منتخب لا ينتمي إلى جذورها، وخاضت مشواراً طويلًا لتثبت نفسها داخل المستطيل الأخضر وخارجه.
واليوم، تجلس نادية نديم على رأس النجاحات النسائية العالمية، بعدما تم أدرج اسمها على قائمة فوربس لأقوى النساء في الرياضة الدولية، بجانب أنها مثلت كبرى الأندية حول العالم.
وفي هذا اللقاء مع “مصراوي” كأول حوار مع موقع أو صحيفة عربية، تفتح نادية قلبها لتروي رحلتها الملهمة إلى الجماهير في أول حوار عربي معاها…
وفيما يلي أسئلة الحوار..
في البداية، حدثينا عن بداية حياتك في أفغانستان؟ كيف وصلت بك الظروف إلى مخيم اللاجئين؟ بجانب قصتك مع الكرة؟
أنا وُلدت في أفغانستان، وعندما كنت في الثامنة أو التاسعة من عمري، أعدمت حركة طالبان والدي.
وبعدها أصبحت الحياة صعبة جدًا، وكان من المستحيل أن نعيش حياة طبيعية، لذلك قررت والدتي أن تأخذ أطفالها الخمسة وتغادر البلاد بحثًا عن حياة أفضل.
وهكذا تم تهريبنا، وبطريقة ما وبصعوبة بالغة انتهى بينا المطاف في مخيم اللاجئين في الدنمارك.
بدأت حياتي في الدنمارك داخل مخيم للاجئين، وهناك تحديداً وقعت في غرام كرة القدم، لأن المخيم كان بجوار ملاعب رائعة لكرة القدم.
وكطفلة، كنت دائماً أذهب لأتفرج على الأطفال الآخرين وهم يلعبون خلف الأسوار، ونعم أنا وأؤمن بالقدر، وإيماني دفعني إلى التواجد هناك، أعتقد أن قدري كان مخصص لأن أتواجد هناك.
وفي أحد الأيام، جمعت شجاعتي وذهبت وسألت إن كان بإمكاني الانضمام إلى الفريق، ومن تلك اللحظة… أشعر أن حياتي بدأت بالفعل.
ومنذ ذلك الحين، وأنا لازالت ألعب كرة القدم، ومنذ ذلك الوقت اعتقد أن كرة القدم علمتني الكثير عن نفسي والكثير عن حياتي اليوم.
“وقت تسجيل الحوار”…أنا الآن أشارك في بطولة اليورو مع المنتخب الدنماركي، لدينا مباراة غداً ضد بولندا، وبالطبع نريد الفوز بها، لكن بالنسبة لي، فإن أهدافي المستقبلية تتجاوز مجرد هذه البطولة.
ما هو هدفك في المستقبل؟ كيف ستكون حياتك بعد الاعتزال؟
أطمح لأن أصبح واحدة من أفضل الأطباء، أو أفضل طبيبة يمكنني أن أكون، وفي عالم كرة القدم، مع اقتراب نهاية مسيرتي كلاعبة، أتمنى أن أعمل في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أو الاتحاد الأوروبي (يويفا)، لنشر كرة القدم لأنني اعتقد أنها تستحق أن تصل إلى كل ركن في العالم.
أرغب في أن يحظى الأطفال في الشرق الأوسط، وأفريقيا، وأمريكا الجنوبية خاصة الفتيات اللواتي لا تتوفر لهن فرص ممارسة الرياضة بفرصة ممارسة كرة القدم، لأنها لعبة جميلة، وأداة رائعة للتعليم، ويمكن أن تساعد الكثير من الناس حول العالم.
كيف ساعدتك كرة القدم في مشوارك والحياة؟
لقد ساعدتني كرة القدم في أن أكون على ما أنا عليه اليوم، لأنها علّمتني كل ما أعرفه، وقد منحتني شعوراً بالإنجاز، وإحساسًا بالانتماء، ومنحتني ثقة كبيرة لذلك أريد أن يتنشر ذلك الشعور.
وأريد أن يتمكن كل الأطفال من الوصول إلى اللعبة، لأنه لم لا؟
ماذا عن مشوارك الكروي والأندية التى لعبت بصفوفها؟ وما هي أكثر مباراة مهمة في مسيرتك؟
لقد كنت محظوظة بأن أحظى بمسيرة رائعة في كرة القدم، فلقد لعبت مع بعض من أفضل الأندية في العالم، مثل باريس سان جيرمان، ومانشستر سيتي، وبورتلاند ثورنز.
كما خضت أكثر من 100 مباراة دولية مع المنتخب الدنماركي، شاركت في مباريات كبيرة جدًا.
لكن أعتقد أن إحدى أكثر المباريات التي لا تُنسى بالنسبة لي كانت أول مباراة لي مع المنتخب الوطني، لأنني كنت أول لاعبة في تاريخ المنتخبات الوطنية الدنماركية تمثل الدنمارك رغم أنها ليست دنماركية بالكامل، بل ذات خلفية مختلفة عن الدنماركيين.
كان ذلك لحظة فخر كبيرة، لأنها أثبتت أنه بالإصرار والعمل الجاد والتفاني في العمل، يمكنك أن تحقق أي شيء.
وشعرت أنني فتحت الباب أمام الأجيال القادمة، وخاصة لأولئك الذين قد يشبهونني أو يأتون من خلفيات مشابهة.
لذلك كانت لحظة مهمة جداً في حياتي وعظيمة، لكن بالطبع كما تعلمون أن الفوز بالدوري الفرنسي، والفوز بالدوري الإنجليزي للسيدات، والدوري الدنماركي كل هذه كانت مهمة جداً بالنسبة لي.
بجانب الوصول إلى نهائيات بطولة أوروبا للسيدات، مع المنتخب الدنماركي كانت أيضاً من أعظم لحظات مسيرتي الكروية.
كيف تجمعين بين مجال كرة القدم والطب؟
إلى جانب مسيرتي في كرة القدم، أنا أيضاً طبيبة، نعم، أنا طبيبة بشريّة، وهذا شيء أفتخر به كثيرًاً.
وأنا أحب مهنتي بالفعل، أحب التواجد في غرفة العمليات، وأحب مساعدة الناس، أعتقد أنه من المهم جداً، في عالم أصبح أكثر أنانية يوماً بعد يوم، أن نحافظ على تعاطفنا وإنسانيتنا.
وبالنسبة لي، هناك العديد من الطرق لفعل ذلك، لكن أن تكون طبيبًا أو تكون شخصًا بإمكانه أن يؤثر في حياة الآخرين، أو حتى ينقذ حياتهم فهذا عمل يستحق التقدير فعلًا ووظيفة عظيمة للغاية.
ما هي رسالتك في الحياة؟
وأشعر أن هذه هي رسالتي في الحياة، ولا أستطيع الانتظار حتى أكرّس نفسي لها بالكامل، وأمل أن أكون في منظمة الأطباء بلا حدود.
من يدري، ربما ينتهي بي المطاف في أماكن مثل غزة حيث هم بحاجة إلى مساعدة حقيقة ماساة.
من هو أكبر داعم لكي في مشوارك؟
أكبر داعم لي دائمًا كانت عائلتي، وبشكل خاص لدي أم رائعة، والدتي هي من منحتني الحرية لأكون ما أريد أن أكونه.
رغم أننا نشأنا في ثقافة ودين وتقاليد لا يُتوقَّع من الفتيات الأفغانيات أن يفعلن ما فعلته أنا، فإن والدتي كانت تقول لي دائماً: “طالما أنكِ سعيدة، وطالما أنكِ تواصلين تعليمك، يمكنكِ أن تفعلي ما تشائين”.
أنا ممتنة جداً لأنني حظيت بأم مثلها، متعلمة ومستنيرة، وكانت رائدة في مجالها، من حيث طريقتها في رؤية العالم.
لذلك، نعم، أستطيع أن أقول إن والدتي كانت أكبر داعم لي، للأسف لما تعد موجودة في حياتي، توفيت فجاة قبل عامين.
لذلك كل ما افعله حتى هذه اللحظة هو تكريمياً لها وحتي أجعلها فخورة دائماً.
حدثينا عن أهمية العائلة في حياتك؟
أنا بالفعل امرأة شرق أوسطية ومسلمة، لذا فالعائلة وكبار السن في حياتنا لهم مكانة كبيرة، وأهمية كبيرة في حياتي.
أنا قريبة جداً من عائلتي، قريبة للغاية، كل ما أفعله، أفعله من أجل عائلتي، ونحن نحاول دائمًا أن نقوم بأشياء تساعد الآخرين.
كل ما نقوم به معاً والهدف هو أن نتمكن يوماً ما، إن شاء الله، من مساعدة المحتاجين، نفعل ذلك الآن ولكن أريد أن يكون على نطاق أوسع، لذلك أنا شخص عائلى كبير بنسبة 100%.
ما هي أكثر لحظة مؤثرة في مشوارك؟
أكثر لحظة مؤثرة في حيات، من الصعب أن أحدد لحظة واحدة فقط، لأنني مررت بالكثير من اللحظات المهمة.
لكن أعتقد أن اللحظة التي تبرز في ذهني دائماً هي عندما تعرفت على كرة القدم لأول مرة في مخيم للاجئين.
أظن أن تلك كانت اللحظة التي غيّرت حياتي للأفضل، ولهذا السبب أتحدث دائمًا عن قوة الرياضة.
قوة الرياضة لا تقتصر فقط على تعليمك ما يدور حولك، بل تُعلّمك أيضًا عن نفسك، وتساعدك على النمو وتصبح أفضل نسخة من نفسك.
لذلك أعتقد أن ذلك اليوم، هي المرة الأولى التي أدركت فيها ذلك، عندما سمح للفتيات بلعب كرة القدم، كان اليوم الذي تغيرت فيه حياتي إلى الأفضل.
ما هى أكلتك المفضلة؟
أنا أحب جميع أنواع الطعام، اعتبره مميزاً، لكنني أعشق بشكل خاص الطعام التايلاندي، والطعام الهندي، والطعام الشرق أوسطي والعربي.
أحب الحمص، وأحب اللحوم، وأعتقد أن العرب بارعون جداً في طهي اللحوم، لذا، نعم… العرب من هذه الناحية رائعون بالنسبة لي.
هل هناك تشابه بين الثقافة العربية والأفغانية؟
أعتقد أن هناك الكثير من أوجه التشابه بين الثقافة العربية والثقافة الأفغانية، ولهذا أشعر أن الكثير منها مألوف بالنسبة لي، وأشعر بقرب كبير منهما، وكأنني في وطني من هذا المنطق بالتأكيد.
ما هى معلوماتك عن الثقافة العربية والمصرية؟
فيما يتعلق بالثقافة المصرية والثقافة العربية، فأنا أعرف الكثير عن كرة القدم المصرية.
وبالطبع، الجميع يتحدث عن محمد صلاح، أعتقد أنه أسطورة في مجاله، وما فعله من أجل كرة القدم أمر مذهل.
كما أن الطريقة التي جعل بها اسم مصر، وربما العالم العربي، حاضراً على الساحة العالمية أمر رائع، إنه يمثل منطقتنا وثقافتنا العربية بشكل قوي جدًا.
وبصراحة، ربما بسبب القرآن الكريم، أشعر بارتباط عميق بالعالم العربي.
أنا أحب الطعام العربي، وأستمع إلى الموسيقى العربية رغم أنني لا أفهم كل الكلمات لكن هناك كلمات معينة أحبها جداً، مثل: حبيبتي، حياتي، قلبي… وهي كلمات أستخدمها كثيراً في حياتي اليومية.
هل زرت مصر من قبل؟
لم أزر مصر أبدا، وأتمي أنا أزورها، لكن كانت رحلة أمي رحمها الله، الأخيرة إلى مصر لرؤية الأهرامات، استمتعت كثيراً خلالها، ولو أتيحت لي فرصة سأزورها قريباً.
ما هي رسالتك للاعبات كرة القدم؟
وأخيراً، رسالتي إلى جميع لاعبي ولاعبات كرة القدم في مصر، وخاصة الفتيات:
أود أن أقول إن الطريق ليس سهلاً دائماً، لأن هناك الكثير من العقبات التي تواجهنا طوال الوقت، هناك أيضاً الكثير من الناس يحاولون أن يُملون عليكِ ما يجب أن تفعليه وما لا يجب علينا فعله.
وفي الوقت الحالي، قد لا تكون كرة القدم أولوية في كثير من دول منطقتنا، صدقوني، أنا أعلم ذلك جيداً عن الثقافة، والعادات، وأحيانًا يُستخدم الدين كذريعة وهو أمر لا أوافق عليه.
لكنني أقول لكل فتاة استمروا في العمل وواصلي طريقك، وواصلي الإيمان بنفسك، وحافظوا على أحلامكم الكبيرة، واعملي بجد.
لأن كل تلك العقول المؤمنة بقدراته، ستكونين لا تقهرين، وستتمكنون من تحقيق الكثير من الإنجازات الرائعة في الحياة، لذا بالتوفيق، واصلو تجاوز الحدود، وسأشجعكم دائماً.