علاقة كانت مثالية كالعسل مع الزبدة

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
إذا كان هناك سياسي يمكن أن يُوصَف بأنه عضَّ اليد الممدودة له، فهذا السياسي هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أما اليد الممدودة فكانت يد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي لما دخل البيت الأبيض في العشرين من يناير في هذه السنة، بدا أنه منحاز إلى بوتين، وأنه يثق فيه وفيما يقوله، وأنه في ذلك على خلاف ما كان عليه الرئيس السابق جو بايدن، الذي كان يتحين أي فرصة للنيل من الرئيس الروسي.
وكان موضوع الانحياز من جانب ترمب هو بالطبع الحرب الروسية الأوكرانية، التي أطلقها الرئيس الروسي في ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، والتي قال عنها ترمب وقت ترشحه السنة الماضية في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض، إنها ما كانت لتشتعل لو كان هو في البيت الأبيض وقت اشتعالها، وأنه سيوقفها بمجرد دخوله مكتبه البيضاوي الشهير.
على هذا الأساس بدأ يعمل منذ اليوم الأول له في الحكم، أو هكذا بدا لنا على الأقل، لولا أن حصيلة عمله في هذا الاتجاه على مدى ما يزيد على الستة أشهر صفر كبير. بل إن الحرب مرشحة للمزيد من الاشتعال إذا مضت الأمور على وتيرتها الحالية.
بدا ترمب منذ البداية مجاملاً للرئيس الروسي، وكان يميل إلى صفه ضد الأوكرانيين والأوروبيين معًا، وكان الأوروبيون بالذات قلقين للغاية من التساهل الأمريكي مع بوتين، وكان الرئيس الأمريكي يراهن على أن نظيره الروسي سوف يُقدّر ذلك كله، وسوف يستجيب لرغبته في وقف الحرب.
ولكن مع مرور الوقت، ظهر بوتين على غير ما أراد وتوقّع ترمب، وراح يتشدد في الشروط التي وضعها لوقف الحرب، فلما يئست منه الإدارة الأمريكية، خرج الرئيس الأمريكي يعلن أنه سيعطيه مهلة تصل إلى خمسين يومًا لوقف الحرب، وبعدها ستكون هناك عقوبات مضافة على روسيا.
ولكن بوتين ظل يقابل التساهل الأمريكي معه بتشدد واضح، فكان يُكثّف من هجومه على الأوكرانيين، وكانت الهجمات ولا تزال تؤدي إلى سقوط المزيد من الضحايا، وقد بلغ الضيق لدى ساكن البيت الأبيض من هذا المسلك الروسي إلى حد أنه قال مؤخرًا إن ما يقوم به بوتين “مثير للاشمئزاز“!
وعندما صرّح ديمتري ميدفيديف، رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، بأن على الأمريكيين ألا ينسوا أن لدى بلاده قدرات نووية موروثة عن العهد السوفييتي، رد ترمب فأمر بنشر غواصتين نوويتين في أماكن مناسبة بالقرب من روسيا!
وهكذا وصلت علاقة “السمن على العسل” بين الرئيسين قبل ستة أشهر إلى درجة لافتة من التوتر المرشّح للتصاعد!
وربما تكون مشكلة بوتين أنه يريد النصر الكامل في الحرب، وهذا غير ممكن بالتأكيد، لأن الطرف الآخر في أوكرانيا يريد النصر هو الآخر، ومن ورائه يريد الأوروبيون النصر نفسه، والحقيقة أنه لا بديل عن تنازل هنا وتنازل هناك على الجانبين، وإلا فلا مجال للحديث عن وقف للحرب، ولا مجال أيضًا للحديث عن طرف منتصر بالكامل.
ولكن هذا لا ينفي أن بوتين كانت لديه فرصة في يد ترمب الممدودة، وأنه لم يعرف كيف يستغلها، ولا عرف كيف يُوظّفها لصالح بلاده.