مسؤول روسي يستفز ترامب ويشير إلى “اليد الميتة”.. فكيف تعمل هذه الآلية؟

بي بي سي
“على ترامب أن يتذكر مدى خطورة اليد الميتة الأسطورية”، عبارة لوح بها الرئيس الروسي السابق، ديميتري ميدفيديف، للولايات المتحدة، أثارت غضب البيت الأبيض وذكرت بجدالات “الحرب الباردة”.
تصريح ميدفيديف وهو حاليًا نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، جاء بعد مهلة تحدث عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لروسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
تصريحات “استفزازية” و”حادة”
وأعلن ترامب، الجمعة، أنه أمر بنشر غواصتين نوويّتين، ردًا على تصريحات “استفزازية للغاية” أدلى بها مسؤول روسي.
قالت مستشارة مركز الدراسات الدولية الروسي، إيلينا سوبونينا، لشبكة “بي بي سي”، إن تصريحات ميدفيديف كانت “حادة جدًا”، مشيرة إلى أنه ألمح لإمكانيات روسيا وامتلاكها لأسلحة نووية.
وبالرغم من أن تصريح ميدفيديف “خرج عن الحدود”، لكن وزير خارجية روسيا، سيرجي لافروف، خفض من التوتر وأبدى انفتاح موسكو على الحوار مع واشنطن واستمرار المفاوضات مع أوكرانيا، وفق سوبونينا.
ما هو نظام “اليد الميتة”؟
تصف وكالة (تاس) الروسية “اليد الميتة” بأنه نظام ردع نووي ويوفر ضربة نووية انتقامية واسعة النطاق عند التعرض لهجوم.
سُمي النظام في الاتحاد السوفياتي بـ”المحيط”، أما الدول الغربية فسمته خلال الحرب الباردة في القرن الماضي بـ”اليد الميتة”.
وبعض المصادر الإعلامية تُعرّف “اليد الميتة” بنظام تحكم آلي بالأسلحة النووية طوّره الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة للتحكم بترسانته النووية، كما أنه نظام قيادة روسي شبه آلي سري مصمم لإطلاق صواريخ موسكو النووية في حال النيل من قيادتها في ضربة قاضية من “عدو”.
ووصفه خبير عسكري أمريكي بـ”آلة يوم القيامة”.
تقرير “نيويورك تايمز”
في 1993، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، مقابلة مع الخبير الأمريكي في الشؤون العسكرية الروسية، روس بلير، قال فيها إن روسيا تمتلك نظامًا حاسوبيًا قادرًا على إطلاق ترسانتها النووية تلقائيًا في زمن الحرب، إذا كان القادة العسكريون ليسوا على قيد الحياة أو غير قادرين على توجيه المعركة.
ووصف براون، الذي أجرى عشرات المقابلات المطولة مع ضباط ومسؤولين عن الترسانة الروسية ومعداتها الملحقة، النظام بـ”آلة يوم القيامة”. وأثارت المقابلة جدلًا في حينه، حول مدى صحة وجود هذا النظام.
وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية أصدرت تقريرًا في 2017، أشارت فيه إلى أن أنظمة القيادة والسيطرة الروسية صُممت لأسوأ السيناريوهات.
وأوضح أن تلك الأنظمة موجودة لتمكين نشر أوامر الإطلاق أثناء التعرض لهجوم نووي من خلال أنظمة عدة، بما في ذلك نظام “المحيط”.
“تُحافظ موسكو على نظام (المحيط) المُصمم لضمان إمكانية إصدار أمر إطلاق انتقامي عند تعرض روسيا لهجوم نووي”، وفق التقرير.
في 2011، أجرى قائد قوات الصواريخ الإستراتيجية الروسية، سيرجي كاراكاييف، مقابلة مع صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” المحلية.
وقال المسؤول العسكري الروسي، إن نظام “المحيط” كان موجودًا في الاتحاد السوفياتي، مشيرًا إلى أن “النظام يعمل ولا يزال حيًا”.
“وصف مثير”
المحلل العسكري الروسي سيرجي شاشكوف قال لـ”بي بي سي”، إن هذا النظام يسمح بإطلاق الصواريخ الباليستية النووية الروسية على أهدافها حتى لو دمرت كل مراكز القيادة، وبشكل آلي.
لكن شاشكوف أبدى شكوكه حول الروايات المتعلقة بالنظام، قائلًا “لا يوجد شيء موثوق”.
أما سوبونينا، رأت في حديث مع بي بي سي، أن تسمية ووصف النظام “مثير” ويُذكَر في الأفلام والآداب ولدى بعض الخبراء.
وقالت سوبونينا إن نظام “اليد الميتة” يعد نظام مراقبة على الأسلحة النووية لضبط هذه الأسلحة، وضمان عدم حدوث إطلاقات بالصدفة أو عن طريق الخطأ.
“المصطلح نفسه لا يعكس حقيقة الأمر”، وفق سوبونينا.
تحدثت الموسوعة البريطانية (بريتانيكا) عن جدل بشأن وجود النظام، وقالت إن مسؤولين سوفييت سابقين أكدوا وجود نسخة شبه آلية من النظام تنقل سلطة إطلاق الصواريخ إلى مجموعة صغيرة من ضباط الخدمة في مخبأ تحت الأرض، في حالة وقوع أزمة.
وأضافت الموسوعة، أن مسؤولين آخرين نفوا ذلك أو رفضوا التعليق.
وأشارت الموسوعة إلى أن كتاب “اليد الميتة: القصة غير المروية لسباق التسلح في الحرب الباردة وإرثه الخطير” الصادر عام 2010، للصحفي الأمريكي ديفيد هوفمان الحائز على جائزة بوليتزر، تضمن أدلة بشأن النظام.
كيف تعمل “اليد الميتة”؟
وقال تقرير منشور في صحيفة “روسيسكايا-جازيتا”، الروسية الحكومية، إن وكالات الاستخبارات الأجنبية لم تتمكن على مدى عقود من الزمن، إلا من تحديد المبادئ العامة لتشغيل النظام.
يقول الخبير الأمريكي بلير، في 1993، إن النظام الروسي مصمم ليُشغل من قِبل قادة عسكريين في حالة الأزمات، ومن الناحية النظرية لن يبادر النظام بالتحرك إلا إذا اكتشفت أجهزة الاستشعار الخاصة به هجومًا نوويًا على موسكو.
“النظام يعمل دون إشراف بشري يُذكر، ويمكنه إرسال رسائل مشفرة عبر آلاف الأميال إلى القوات العسكرية، وإطلاق صواريخ نووية بدون مساعدة بشرية”، وفق بلير الذي أضاف أن النظام “عرضة للخطأ”.
“يُقال إن قلب النظام موجود في مخابئ عميقة تحت الأرض جنوب موسكو وفي مواقع احتياطية”، وفق صحيفة “نيويورك تايمز”.
وتضيف الصحيفة: “في حالة الطوارئ، يُرسل المسؤولون العسكريون رسالة مشفرة إلى المخابئ، مُفعّلين بذلك اليد الميتة”، في حالات أزمات معينة، ثم “يُرسل النظام إشارات منخفضة التردد عبر هوائيات تحت الأرض إلى صواريخ خاصة”.
بعد ذلك “تحلّق هذه الصواريخ عاليًا فوق صواريخ ومواقع عسكرية الأخرى، وتعطي أوامر الهجوم إلى الصواريخ والقاذفات، وكذلك عبر محطات الراديو، إلى الغواصات في البحر”.
وقال موقع “ميليتاري”، الذي يغطي أخبار الجيش الأمريكي، إن النظام يُطلق صاروخًا موجهًا مزودًا برأس حربي لاسلكي ينقل أوامر الإطلاق إلى القواعد النووية الروسية، حتى مع وجود تشويش لاسلكي.
أما كاراكاييف قال في 2011: “عندما تكون هناك حاجة لضربة انتقامية، ولا توجد طريقة لإرسال إشارة إلى جزء من منصات الإطلاق، يمكن أن يأتي هذا الأمر من النظام”.
تشير وكالة “سبوتنيك” الروسية التابعة للحكومة، إلى تحديثات طرأت على النظام تمكنه من اكتشاف إطلاق صواريخ باليستية باتجاه روسيا بواسطة الأقمار الاصطناعية، وتُسرع بإصدار التعليمات للأجهزة الأخرى المسؤولة عن صد الهجوم الصاروخي.
وأكد كاراكاييف أن النظام يمكنه تدمير الولايات المتحدة خلال نصف ساعة، لكنه قال “أعتقد اليوم لن تقوم روسيا ولا الولايات المتحدة بتدمير بعضهما البعض”.