“من يربح قلوب الناس يفتح له أبواب الرزق” – قصة بائع كشري يجر عربة خشبية في القرى

الشرقية – ياسمين عزت:
في قرى منيا القمح محافظة الشرقية، تسير عربة خشبية عتيقة، لا تحمل مجرد الكشري، بل تحمل تاريخًا من الكفاح، يقودها رجل في أواخر الخمسينيات من عمره، اسمه ناصر إسماعيل، لكن الجميع ينادونه “عم ناصر كشري”.
ورث عم ناصر الصنعة من والده، الذي بدأ مشروعه على “طبلية” في بيته بمساعدة زوجته، قبل أن يقرر شراء عربة خشبية يجرّها بين القرى ليبيع منها أكواب الكشري البسيطة.
يتذكر عم ناصر تلك الأيام: “أنا الابن الأكبر، وكنت أرى أبي وأمي يعملان بأيديهما، وعندما اشترى أبي العربة، فرح بها جدًا، وبدأ يلف بها، يبيع الكشري الذي صنعناه معًا، وأنا كنت أتعلم منه في الطريق دون أن أدري”.
لم يتعلم ناصر فقط أسرار طبخ الكشري، بل تعلم “أخلاق المهنة” من والده، الذي أوصاه قائلًا: “خليك دايمًا وشّك بشوش ولسانك حلو… اللي يكسب قلوب الناس، يرزق من غير ما يمد إيده”، هذه الوصية لم تكن مجرد كلمات، بل أصبحت منهاجًا لحياته.
وكما ورث عم ناصر المهنة عن أبيه، نقلها لأخيه ثم لزوجته، لتصبح “صنعة الكشري” مصدر رزق لعائلة كاملة، حيث تستيقظ زوجة أخيه في الفجر لإعداد الصلصة والدقة، ثم يخرج كل منهم بعربته ليتفرقوا في قرى ومدن مختلفة، حاملين معهم الأمل ورائحة الكشري.
يقول عم ناصر: “كلنا نتعب، لكننا مستورون. فتحنا بيوتًا، وعلمنا أولادنا، وزوجنا بناتنا. الكشري رزق حلال حتى لو كان متعبًا”.
ما يميز قصة عم ناصر ليس استمرار المهنة فقط، بل قيمه الأخلاقية، فهو لا يبيع فقط، بل يوزع الحب والعطاء، ويقول: “أبيع الكيس بجنيه، لكن اللي معهوش ياكل، من غير كسوف. يمكن ربنا يبعت رزقي في مكان تاني، المهم الناس كلها تأكل وربنا يراضي الجميع”.
وكل يوم جمعة، يشتري لحمًا ويصنع وجبات كشري “باللحمة” ويوزعها صدقة جارية على روح والده، الذي علمه أن العطاء هو سر الشبع الحقيقي. لم يتوقف إحسانه عند هذا الحد، بل ساعد العديد من الشباب على بدء مشاريعهم الخاصة، قائلًا: “أي شاب ييجي يقولي عايز أكل عيش، أعلّمه وأشجعه وأقوله العربية تتعمل إزاي”.
بعد أن فقد زوجته التي كانت شريكة كفاحه، أوصى ابنه الوحيد بنفس العهد: “لو متّ، كمل في صنعة جدك، ومتخليش يومك يعدي من غير تعب شريف”.
يعمل عم ناصر أكثر من 12 ساعة يوميًا، يجوب الشوارع، يتعامل مع الناس، ويربي ابنه، ويساعد الآخرين، لم يركض خلف المال السريع، بل اختار أن يعيش برضا، وعن هذا يقول: “أنا مش غني، بس مبسوط. ومبسوط إني باكل من تعب إيدي، مش من غش ولا حرام”.