من القرية إلى لجنة الامتحانات: معاناة طالب في خضم زحام المواصلات والضغط النفسي

الغربية – مروة شاهين:
بخطوات هادئة يخرج من بيته في السابعة صباحًا، يحمل في يده مذكرتين أحدهما للنحو، والأخرى تلخص صفحاتها قصة الأيام لطه حسين، وفي اليد الأخرى أقلام يستخدمها في حل امتحان اللغة العربية، وفي قلبه يحمل الأمل وتحقيق حلم والديه بدخول كلية الهندسة.
غادر محمود عبد الرحمن بيته ودعوات الأم بالتيسير تلحقه قبل اختبار أول مادة مضافة للمجموع، ينظر الابن إليها كلما قطع بضع خطوات، قبل أن يقطع اتصالهما البصري وينحرف يمينا، ليسلك الطريق المؤدي إلى الوحدة الصحية بقريته شفا في محافظة الغربية، حيث تمر السيارات القادمة من طنطا وفي طريقها لمركز بسيون، في رحلة العلم مشقة، ورحلة الوصول من القرية للجنة الثانوية العامة جهد وإرهاق قادر على استنزاف تركيز أي طالب قبل الامتحان.
بعد مرور 10 دقائق يصل محمود للطريق المار أمام القرية، هنا المحطة الأولى، يقف أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول هو انتظار سيارة أجرة قادمة على الطريق تنقله من قرية شفا إلى كفر سليمان، هذا إذا وجد مقعد شاغر في السيارة، ثم يستقل سيارة أجرة مرة ثانية للوصول إلى بسيون، تكلفة الرحلة من البيت إلى اللجنة الامتحانية لا تتجاوز 10 جنيهات، تقطع السيارتان مسافة لا تزيد عن 10 كيلو، تستغرق عادة أقل من نصف ساعة لكن للزحام في الصباح رأي آخر.
ذلك الزحام هو ما يتوقف عليه الوقت المتبقي للمراجعة قبل الامتحان، أن يجد طالب مقعد شاغر داخل السيارة ليس سهلا، ربما ينتظر 10 دقائق أو نصف ساعة، أو مدة أطول تجعل وصوله للجنة الامتحان قبل توزيع ورق الأسئلة أمر غير ممكن، لذلك يلجأ محمود وزملائه عادة للخيار الثاني للوصول إلى مدينة بسيون، لأن وزارة التربية والتعليم لا تختار المدارس في القرى لتقام داخلها اللجان، الأسهل بالنسبة للمراقبين والملاحظين وأعمال التأمين أن تقام اللجان في المدارس الواقعة بالمدن والمراكز.
“مفيش عندنا لجان ويضطر أسافر الصبح للمدينة مع توتر الامتحان والخوف من الوقت يمر وأنا في المواصلات بيكون صعب ولازم ألاقي حل حتى لو بتكلفة أعلى”.. بتلك الكلمات قالها الطالب لوصف معاناته للوصول للجنة الامتحان كان لابد من حل.
يختار محمود وزملائه أن يستقلون سيارة أجرة صغيرة يطلق عليها أهالي القرى اسم ” تمناية”، تستوعب مقاعدها 7 ركاب والسائق، لكنها في أيام الامتحانات يمكنها استيعاب 10 طلاب، عليهم فقط حَشر أنفسهم في السيارة بالطريقة التي يرونها مناسبة، ليحصل السائق على 50 جنيها من كل طالب نظير قطع المسافة من قرية شفا إلى اللجنة الامتحانية مباشرة دون انتظار أو استبدال السيارة.
اختار محمود مقعد بجوار نافذة السيارة، يحاول هو وكل طالب رفقته في الرحلة أن يفتح مذكرة مما يحمله، وقت المراجعة قبل الامتحان ثمين، ربما يقرأ معلومة يصادف وجودها في ورقة الأسئلة بعد قليل، لكن الأمر ليس سهلا في تلك المساحة الضيقة، قائلا: “بيكون كدا أسهل لينا وكمان عندنا وقت نراجع بتركيز في الطريق من غير خوف أو بهدلة المواصلات لحد منوصل للجنة”.
تتجمع مذكرة كل طالبين معا، ليقرأ كل منهما بعينيه فقط السطور، بإيماءة سريعة يفهم كل منهما أن شريكه في المراجعة انتهي ليقلب أحدهما الصفحة، يقطع تركيز الطلاب صوت الأغاني من خلفهم وتحت أرجلهم، بجوار السائق طالبين منه أن يغلق مصدر الصوت، ليرد بابتسامة باهتة ويقول أنه لم ينل الوقت الكافي من النوم وأن تلك الضوضاء تجعله قادرًا على التركيز في الطريق.
يحتدم الموقف بين الطلاب المتوترين، وسائق يرى أن سلامة الرحلة أهم من غرض الوصول، في النهاية يرضخ للطلاب ويخفض الصوت بالقدر الذي يكفيه، ليدندن مع الأغنية ويبقي عينيه مركزة على مسار الطريق.
أمام مدرسة بسيون الثانوية بنين يصل الطلاب قبل الثامنة والربع، يستكملون المراجعة قبل دخول اللجنة، محاولات طمأنه لخفض التوتر قبل اللغة العربية، أول المواد التي يؤدونها داخل المجموع، إلى جوارهم زملائهم القاطنين بالمدينة رفقة أولياء أمورهم الذين رافقوهم إلى اللجنة، يحاول أولياء الأمور نشر الطمأنينة على جميع الطلاب، خفض مستوى التوتر المنتشر كالعدوى بين الطلاب فيه فائدة لأبنائهم وكل من دخل اللجنة، ورغم حرارة الطقس يأبى الكثير منهم إلا أن ينتظر ابنه أو ابنته وعينيه على الفصول لعله يسترق السمع ويطمأن على مستوى الامتحان.