الإرث التاريخي للعلاقات الفارسية اليهودية وتأثيره على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
يمكن وصف العلاقات الفارسية اليهودية منذ قبل الميلاد بأنها علاقات معقدة وغير مستقرة. إلا أن ذلك لا ينفي وجود فترات من التعاون والدعم المتبادل.
وقد بدأت معاناة اليهود من السبي البابلي على يد نبوخذ نصر الثاني ملك بابل في عام ٥٨٦ قبل الميلاد. حيث قام بوخذ نصر بتدمير القدس والهيكل الأول. إلا أنه ما لبث أن صعدت الإمبراطورية الأخمينية وتم تحرير اليهود عام ٥٣٩ قبل الميلاد. فبعد سقوط بابل على يد الملك كورش الكبير مؤسس الإمبراطورية الأخمينية الفارسية. كما سمح كورش بعودة اليهود إلى أراضي فلسطين وإعادة بناء الهيكل الثاني. وقد أدت هذه الخطوة إلى سيادة فترة من التسامح الديني والدعم الفارسي لليهود. كما أصبحت القدس ويهوذا مقاطعتين شبه مستقلتين تابعتين للإمبراطورية الفارسية، حيث تمتع اليهود بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي الثقافي والديني. كما تأثر الفكر اليهودي بالثقافة الفارسية مثل بعض المفاهيم الزرادشتية مثل الصراع بين الخير والشر. تلت هذه المرحلة التاريخية مرحلة تاريخية أخرى اتسمت بهدوء العلاقات بين الفرس واليهود تحت حكم الامبراطورية البارثية التي امتدت من ٢٤٧ قبل الميلاد إلى ٢٢٤ بعد الميلاد. وتعد فترة الإمبراطورية الساسانية من ٢٢٤-٦٥١م هي الفترة التي شهدت تحولاً ملحوظاً في العلاقات الفارسية اليهودية، وذلك عندما اتخذ الساسان الزرادشتية كدين رسمي للبلاد مما أدى إلى سياسات أقل تسامحاً تجاه الأقليات الدينية بما في ذلك اليهود. كما تعرض اليهود في ظل الحكم الساساني إلى الاضطهاد والضغوط، خاصة في فترات الصراع بين الساسانيين والبيزنطيين، حيث كان يٌنظر لليهود كحلفاء محتملين للبيزنطيين. كما كانت تفرض عليهم ضرائب مضاعفة. كما نظر البيزنطيون لليهود باعتبارهم أقرب للفرس عندما تحالفوا في الحرب الساسانية البيزنطية مع الفرس ضدهم.
ومع دخول الإسلام لبلاد فارس تغير المشهد السياسي والديني بشكل جذري. حيث أصبح اليهود جزءاً من الأقليات الدينية مما أدى إلى تلاشي العلاقات الفارسية اليهودية بالمعنى السياسي.
وقد امتدت هذه الطبيعة المتباينة للعلاقات الفارسية اليهودية إلى العلاقات الإيرانية الإسرائيلية. فقبل سقوط شاه إيران عام ١٩٧٩ اتسمت العلاقات بين البلدين بالتحالف وبالتعاون وفقا للمصالح الاستراتيجية للبلدين.
ومع قيام الجمهورية الإسلامية عام ١٩٧٩ حدث تحول جذري في العلاقات الإيرانية الإسرائيلية إلى عداء صريح بسبب التحول الأيديولوجي للثورة الإيرانية الذي انعكس على العداء للولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل. كما أدى سعي الجمهورية الإسلامية إلى تصدير ثورتها الإسلامية لمواجهة النفوذ الغربي ودعمها لحركات المقاومة ووكلاء إيران الثورة في المنطقة إلى تصاعد التوتر في العلاقات بين البلدين. بالإضافة إلى إغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران وتسليمها لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وعليه، يمكن القول بوجود ارتداد تاريخي للعلاقات الفارسية اليهودية على العلاقات الإيرانية الاسرائيلية في شكل موجات من العداء والتعاون بين القوميتين الفارسية واليهودية ومن ثم الدولتين الإيرانية والاسرائيلية. وهو ما ينبؤنا باستمرار هذه الموجات وهذا التذبذب في العلاقات بين البلدين في المستقبل.