مصر تُغرس الأمل: مشروع الدلتا الجديدة وآفاق الاكتفاء الذاتي

مصر تُغرس الأمل: مشروع الدلتا الجديدة وآفاق الاكتفاء الذاتي


جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في زمن تتصارع فيه الشعوب على الغذاء، وتتعاظم فيه التحديات المناخية والمائية، خرجت مصر من بين الرمال والغبار، لترفع راية الأمل من جديد. لم يكن الحلم سهلًا، ولم تكن الأرض خصبة تحت الأقدام، لكن الإرادة المصرية كانت – ولا تزال – أقوى من التحديات. من رحم الصحراء، ووسط عواصف الأزمات العالمية، وُلد مشروع “الدلتا الجديدة” كمشروع قومي عملاق، لا يكتفي بإحياء الأرض فحسب، بل يُعيد رسم خريطة التنمية ويبعث برسالة واضحة: أن مصر قادرة، إن أرادت، أن تُحول الصحراء إلى واحة، والفراغ إلى مستقبل.

انطلقت فكرة “الدلتا الجديدة” برؤية طموحة نحو التوسع الزراعي والتنمية المتكاملة، إذ يمتد المشروع على مساحة تقارب 2.2 مليون فدان، ما يعادل نحو 30% من مساحة الدلتا القديمة، في موقع استراتيجي يبدأ من شمال الواحات ويمتد إلى جنوب وادي النطرون، شرقًا وغربًا حتى منخفض القطارة بمحور الضبعة. هذا الامتداد الواسع لم يأتِ من فراغ، بل جاء مدعومًا بدراسات جيولوجية ومناخية تهدف إلى استغلال الأراضي الصالحة للزراعة في قلب الصحراء.

ويهدف المشروع إلى خلق بيئة تنموية متكاملة، تتجاوز حدود الزراعة التقليدية، حيث من المتوقع أن يسهم في توفير نحو 5 ملايين فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، تشمل قطاعات الزراعة، والتصنيع الغذائي، والخدمات اللوجستية، مما يجعله أحد أكبر مصادر التشغيل في الجمهورية الجديدة.

على صعيد الإنتاج الزراعي، يركز المشروع على زراعة محاصيل استراتيجية تم اختيارها بعناية، مثل القمح، والذرة، وبنجر السكر، والقطن، إلى جانب محاصيل صناعية وغذائية مثل فول الصويا وعباد الشمس والخضروات والفاكهة. وتأتي هذه الاختيارات لتلبية احتياجات السوق المحلي من جهة، وزيادة القدرة التصديرية لمصر من جهة أخرى، ما يعزز من ميزانها التجاري ويخفض فاتورة الاستيراد.

وفيما يتعلق بتوفير المياه، وهو التحدي الأكبر في أي مشروع زراعي بهذه الضخامة، اعتمدت الدولة على تنويع مصادر المياه بطريقة غير مسبوقة، بدايةً من استغلال المياه الجوفية منخفضة الملوحة، مرورًا باستخدام مياه الصرف الزراعي المعالجة من محطة “الحمام” العملاقة – الأكبر من نوعها في العالم – وانتهاءً بمشروع “نهر النيل الجديد”، الذي ينقل المياه عبر مسارات ضخمة إلى عمق الصحراء، بتقنيات تضمن كفاءة التوزيع وتقليل الفاقد.

ولا يقتصر تأثير المشروع على الزراعة فحسب، بل يمتد ليشمل الاقتصاد الوطني ككل. فهو يسهم بشكل مباشر في دعم الأمن الغذائي المصري، ويعمل على خفض نسب البطالة، ويدفع عجلة التنمية من خلال إقامة مجتمعات عمرانية متكاملة تضم مساكن، وخدمات، ومناطق صناعية قائمة على الإنتاج الزراعي، مما يخفف الضغط عن وادي النيل الضيق.

ورغم هذا الطموح، لم تَغِب التحديات عن طريق المشروع. أبرزها ندرة المياه، وصعوبة التربة الصحراوية، وارتفاع تكلفة البنية التحتية. إلا أن الدولة المصرية واجهت هذه العقبات بأساليب علمية، تضمنت استخدام نظم ري حديثة موفرة، وتقنيات لمعالجة وتحسين التربة، بالإضافة إلى إنشاء بنية تحتية قوية من طرق، وشبكات كهرباء، ومحطات معالجة، لتكون الدلتا الجديدة نواةً لتنمية لا تُهزم أمام الطبيعة.

وهكذا، لم تعد الصحراء مجرد أرض جرداء في عين المصري، بل باتت ميدانًا مفتوحًا للزراعة والبناء والإنتاج. ومن خلال مشروع “الدلتا الجديدة”، تكتب مصر فصلًا جديدًا في سجل النهضة الزراعية الحديثة، يؤكد أن الحلم حين يكتبه شعب بحبر العرق والإرادة، لا بد أن يتحول إلى واقع.

*

الأستاذ المساعد بكلية الزراعة جامعة بنها

رئيس لجنة الزراعة والرى بحزب الوعي