وعود ترامب بـ”العصر الذهبي” تواجه تحديات واقع تباطؤ النمو والوظائف وارتفاع الأسعار

رغم الوعود المتكررة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن دخول الاقتصاد الأمريكي عصرًا ذهبيًا، جاءت البيانات الاقتصادية الأخيرة لتدق ناقوس الخطر، وتكشف آثار سياساته التجارية والضريبية بشكل واضح، بعد مرور أكثر من ستة أشهر على ولايته الجديدة، بحسب ما نقلته وكالة “أسوشيتيد برس” الأمريكية.
وأظهرت البيانات تراجعًا في معدلات التوظيف، وارتفاعًا متسارعًا في التضخم، وتباطؤًا ملحوظًا في معدلات النمو مقارنة بالعام السابق بالولايات المتحدة، وذلك بعد إجراء ترامب تغييرات جذرية على أنظمة التجارة والتصنيع والطاقة والضرائب من خلال سلسلة من الرسوم الجمركية والقوانين الجديدة، سعيًا لنسب أي إنجازات له، وفي الوقت ذاته سعى لإلقاء اللوم على الآخرين مع ظهور بوادر تعثر اقتصادي.
لكن واقع الأمر أن الاقتصاد لا يشهد الطفرة التي وعد بها، كما تراجعت قدرة ترامب على تحميل سلفه الديمقراطي، جو بايدن، مسؤولية التحديات الاقتصادية، بعدما باتت الأسواق العالمية تترقب كل تصريح يصدر عنه أو منشور ينشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب “أسوشيتيد برس”.
وصدرت بيانات الوظائف الأمريكية، أمس الجمعة لتظهر تراجعًا واضحًا، إلا أن ترامب لم يبدي اهتمامًا بالمؤشرات، بل قام بإقالة رئيس الوكالة المسؤولة عن إصدار تلك البيانات، زاعمًا في منشور عبر منصة التواصل الاجتماعي “تروث سوشيال”، أن “الأرقام الاقتصادية يجب أن تكون عادلة ودقيقة، ولا يمكن التلاعب بها لأغراض سياسية”، مؤكدًا أن “الاقتصاد مزدهر”، دون تقديم أي دليل.
ورغم أن البعض يرى أن تلك الأرقام قد تعكس آثارًا مؤقتة لتحولات سريعة يقودها ترامب، فإن آخرين يحذرون من أن هذه المؤشرات قد تكون مقدمة لاضطرابات أكبر قادمة، لا سيما مع اقتراب الانتخابات النصفية في الكونجرس، حيث سيكون حلفاء ترامب بحاجة لإنجازات اقتصادية ملموسة.
وأشار خبراء استراتيجيون جمهوريون، إلى أن “الأثر الكامل للتضخم الناتج عن الرسوم الجمركية لن يظهر قبل عام 2026، وهو ما يتزامن مع عام انتخابي حاسم للحزب الجمهوري”، مضيفًا أن ترامب أحدث تأثيرًا غير معتاد على الاقتصاد في وقت مبكر جدًا من ولايته.
ومن جانبه، حاول البيت الأبيض تصوير موجة الاتفاقات التجارية الأخيرة كدليل على نجاح نهج ترامب التفاوضي، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي، واليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، وإندونيسيا، ودول أخرى وافقت على زيادة الرسوم على صادراتها إلى الولايات المتحدة دون أن تشمل هذه الإجراءات السلع الأمريكية، بينما فُرضت رسوم على الدول التي لم تتوصل إلى اتفاقات.
ونوهت “أسوشيتيد برس” عن أن تكلفة هذه الرسوم، التي يدفعها المستوردون داخل الولايات المتحدة، ستنعكس على المستهلك الأمريكي في شكل أسعار أعلى، وإن كان حجم هذا التأثير لا يزال غير مؤكد، حيث قال الاستراتيجي الجمهوري كيفن مادين إن “إدارة البيت الأبيض وحلفاءها يدركون أن التحكم في صورة ترامب الاقتصادية لدى الرأي العام هو المفتاح”.
ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته وكالة “أسوشيتد برس” ومركز “نورك”، فإن 38% فقط من البالغين بالولايات المتحدة يؤيدون طريقة إدارة ترامب للاقتصاد، مقارنة بـ50% في نهاية ولايته الأولى.
ولا يزال البيت الأبيض يرى الصورة بشكل أكثر إشراقًا، ويؤكد أن الاقتصاد بدأ يتعافى من حالة الغموض، متوقعًا تكرار المكاسب الاقتصادية التي تحققت في الفترة الأولى لترامب قبل جائحة كورونا، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي: “الرئيس ترامب ينفذ نفس السياسات الناجحة من خفض للضرائب وتحرير التجارة، ولكن على نطاق أوسع، والأفضل لم يأت بعد”.
إلا أن الأرقام الاقتصادية الصادرة عن وكالات الحكومة الأمريكية الأسبوع الماضي تطرح تحديات حقيقية، بداية من تقرير الوظائف الصادر الذي أظهر فقدان 37 ألف وظيفة في قطاع التصنيع منذ بدء تطبيق الرسوم الجمركية في أبريل، وهو ما يتعارض مع تعهدات البيت الأبيض بإحياء الصناعة الأمريكية، وحتى تراجع معدل التوظيف الصافي بشكل حاد خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، حيث لم يتجاوز عدد الوظائف الجديدة 73 ألفًا في يوليو، و14 ألفًا في يونيو، و19 ألفًا في مايو، أي أقل بـ258 ألف وظيفة من التقديرات السابقة.
وبحسب تقرير التضخم في الولايات المتحدة، الذي صدر /الخميس/ الماضي، فإن هناك ارتفاعًا بنسبة 2.6% على أساس سنوي حتى يونيو، مقارنة بـ2.2% في أبريل، وسُجلت زيادات كبيرة في أسعار السلع المستوردة مثل الأجهزة والأثاث والألعاب، فيما كشف تقرير الناتج المحلي الإجمالي نموًا بمعدل سنوي أقل من 1.3% في النصف الأول من العام، مقارنة بـ2.8% خلال العام الماضي.
وقال جاي بيرجر كبير الباحثين في “معهد بيرنينج جلاس” المتخصص في اتجاهات سوق العمل: “الاقتصاد يتحرك بصعوبة.. معدل البطالة لا يرتفع، لكننا نضيف وظائف قليلة، والنمو بطيء، يبدو أن الاقتصاد في حالة من التباطؤ المستمر”.
وفي مواجهة هذه التحديات، وجه ترامب سهام اللوم إلى رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، داعيًا إلى خفض أسعار الفائدة، رغم أن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من التضخم، ورغم دعمه العلني لأعضاء مجلس الاحتياطي كريستوفر والر وميشيل بومان لتصويتهما لصالح خفض الفائدة، فإن مبرراتهما لم تكن متوافقة مع رغبة ترامب، حيث أعربا عن قلقهما من تباطؤ سوق العمل.
ويبدو أن إدارة ترامب تراهن اقتصاديًا بشكل كبير، في ظل الاعتقاد بأن خفض الفائدة سيؤدي إلى تسهيل الحصول على قروض عقارية وتنشيط سوق الإسكان، إلا أن سياسة الرسوم الجمركية التي اتبعها ترامب شهدت تغييرات مستمرة خلال الأشهر الستة الماضية، مع إعلان معدلات جديدة بديلاً عن تلك التي أثارت حالة من الذعر في الأسواق في أبريل.