الاقتصاد الأزرق في المغرب: إمكانيات كبيرة واستغلال محدود

الاقتصاد الأزرق في المغرب: إمكانيات كبيرة واستغلال محدود

لم يفوت المغرب فرصة انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات ليطرح طموحاته الوطنية والقارية في الارتقاء بـ”الاقتصاد الأزرق”، الذي يعتبره خبراء حاسماً في الأمن الغذائي للقارة الإفريقية، لكنه يتجاوز ذلك كثيراً إلى مجالات متنوعة تتعلق بالسياحة البحرية والأنشطة المينائية وغير ذلك من الأنشطة عالية القيمة المضافة، مما يجعله رهانا استراتيجيا متميزاً ما زال محتَشمَ الاستغلال مغربياً.

ذلك ما أكده الملك محمد السادس من خلال دعوته لـ”مراجعةٍِ استراتيجية للدور البحري الإفريقي في إطار ثلاثة محاور، ويتعلق الأمر بنمو أزرق، وتعاون جنوب-جنوب معزز مرفوق بتكامل إقليمي حول الفضاءات المحيطية، ونجاعة بحرية من خلال تكامل السياسات المتعلقة بالمحيط الأطلسي”، في رسالة موجهة، إلى المشاركين في قمة “إفريقيا من أجل المحيط” برسم مؤتمر نيس سالف الذكر.

ويُعرف “الاقتصاد الأزرق” على الصعيد العالمي، باعتباره محركاً حقيقياً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، إذ توفر البحار والمحيطات، 5,4 مليون منصب شغل، وتخلق قيمة مضافة إجمالية تناهز 500 مليار يورو سنويا.

وعلى المستوى الوطني، فوفقا لتقرير صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛ فإن المغرب يهدف إلى إنتاج 200 ألف طن من منتجات تربية الأحياء البحرية برقم معاملات يبلغ 5 ملايير درهم، وتحقيق 3 ملايير درهم من صادرات الموارد السمكية، في أفق سنة 2030.

وبالنسبة للخبير الاقتصادي، ادريس الفينة، فإنه في الوقت الذي تتجه فيه كبريات الدول نحو استغلال الفضاءات البحرية كحدود اقتصادية جديدة، يظل الاقتصاد الأزرق في المغرب موضوعًا هامشيًا، لم يحظَ بعد بالإطار الاستراتيجي الذي يوازي أهميته.

وأضاف أنه بالرغم من أن المغرب يمتد على أكثر من 3500 كلم من السواحل، ويمتلك منطقة اقتصادية خالصة تناهز 1.2 مليون كلم مربع، إلا أن مساهمة الأنشطة البحرية في الناتج الداخلي الإجمالي لا تزال ضعيفة ومجزأة.

وفي المقابل؛ يرى الفينة أن المغرب “يمتلك مؤهلات طبيعية وجيو-استراتيجية تجعل منه مرشحًا رئيسيًا لقيادة الاقتصاد الأزرق في غرب إفريقيا والمتوسط”. مضيفاً أنه من جهة، “يحتل موقعًا فريدًا بين أوروبا، أميركا، وإفريقيا، وتمر عبر مياهه أكثر من 20% من التجارة البحرية العالمية، ومن جهة أخرى، يزخر بثروات بحرية طبيعية غنية، وموانئ لوجستية عالمية على رأسها “ميناء طنجة المتوسط” الذي أضحى منصة عالمية لإعادة الشحن، ومؤهلات بشرية قابلة للتأهيل في المجال البحري”.

ورغم ذلك، اعتبر رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية أن معظم هذه المؤهلات تظل غير مفعلة بالشكل الكافي؛ “الصيد البحري يظل محصورًا في الصيد التقليدي والتفريغ الأولي، دون تطوير سلاسل قيمة متكاملة من التصنيع إلى التصدير العالي القيمة”.

أما بخصوص تربية الأحياء المائية فهي لم تتجاوز بعد “مرحلة التجريب”، على حد قول الخبير “رغم أن دولًا كالنرويج وتشيلي تخلق منها مداخيل بمليارات الدولارات سنويًا. كما أن السياحة الساحلية لا تزال موسمية، وبنية الاستقبال البيئي شبه غائبة.

وشدد على أن الاقتصاد الأزرق يمثل مجالًا جديدًا ذا طبيعة مستدامة وعالية القيمة، قادر على امتصاص الصدمات وخلق توازن هيكلي في بنية الناتج الوطني، كما أنه من خلال تربية الأحياء البحرية وتحلية المياه بالطاقة الزرقاء، يمكن للمغرب تقليص اعتماده على الموارد المائية التقليدية، وتوسيع أمنه الغذائي البحري، بل وتصدير البروتينات البحرية إلى أسواق إفريقية تحتاجها بشدة.

أما بالنسبة للأنشطة المينائية التي تعد رافعة أساسية للاقتصاد الأزرق؛ فيرى مجلس اعمارة أنها تتطلب تعبئة استثمارات ضخمة لإقامة البنيات التحتية اللوجستية والمينائية. وتشمل هذه الأنشطة نقل المسافرين والبضائع، وبناء السفن وإصلاحها.

وسعياً إلى تطوير قطاع نقل المسافرين، اعتمد المغرب الاستراتيجية الوطنية للموانئ في أفق 2030 من أجل مضاعفة العدد السنوي للمسافرين بحلول سنة 2030، لينتقل من 3 إلى 7,6 ملايين مسافر. إذ ويؤمن النقل البحري للبضائع أزيد من 95 في المائة من حجم المبادلات التجارية بين المغرب وباقي بلدان العالم.

وسياحياً كان المغرب في إطار المخطط الأزرق رؤية 2020 أعرب عن طموح من أجل استقطاب 10 ملايين سائح بحلول سنة 2020، من خلال إنشاء ستة منتجعات ساحلية: السعيدية، ومازاغان وموغادور، وليكسوس، وتغازوت باي والشاطئ الأبيض بكلميم؛ “إلا أن هذه الرؤية لم تحقق أهدافها، وهو ما أثر سلبا على تطوير عدد من الأنشطة من قبيل الرحلات البحرية السياحية والترفيه البحري، بالإضافة إلى الأنشطة الترفيهية البحرية والرياضات المائية” يقول المجلس.