ميداوي: نحن بحاجة إلى 200 ألف طالب دكتوراه ونجاح التشغيل مرتبط بالبحث العلمي

ميداوي: نحن بحاجة إلى 200 ألف طالب دكتوراه ونجاح التشغيل مرتبط بالبحث العلمي

أكد عز الدين ميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، أن الجامعة المغربية تواجه اليوم تحديات بنيوية تتطلب إصلاحًا عميقًا، رغم ما تزخر به من نقاط قوة وإمكانيات بشرية مهمة. معتبرا أن أحد أبرز الإشكالات يتمثل في ضعف الكم، موضحًا أن عدد المهندسين والدكاترة الذين يتم تخريجهم سنويًا لا يرقى إلى مستوى حاجيات المغرب.

وأشار إلى أن عدد الطلبة المسجلين حاليًا في سلك الدكتوراه لا يتجاوز 40 ألف طالب، 45 في المئة منهم موظفون أو يعملون في شركات ومقاولات، في حين ينبغي أن يتراوح العدد بين 150 ألف و200 ألف طالب، بالنظر إلى العدد الإجمالي لطلبة الجامعات المغربية.

وتحدث ميداوي في كلمة خلال ندوة وطنية نظمتها مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بتقييم السياسات العمومية المرتبطة بالاستثمار والتشغيل اليوم الأربعاء بمجلس المستشارين، عن تحديات الكيف، داعيًا إلى مراجعة عميقة للمواضيع التي تُطرح داخل المختبرات المغربية، مشيرًا إلى أن سياسة البحث العلمي كانت منذ تأسيس الجامعة المغربية مبنية على المبادرات الفردية للأساتذة الباحثين، دون قيادة مؤسساتية واضحة.

وأوضح أن الأستاذ الجامعي يمارس البحث العلمي بمحض إرادته، وغالبًا ما يكون ذلك بجهود شخصية في غياب أي تأطير أو مواكبة، وهو ما يجعل الباحث يشتغل في ظروف صعبة، ولا يتوفر حتى على الحد الأدنى من الدعم اللازم لإنتاج الثروة، على حد تعبيره.

وشدد المسؤول الحكومي على أن الإشكال ليس ماديًا، لأن ضخ الأموال في ظل غياب التنظيم لن يؤدي إلى نتائج ملموسة. واستعان بتشبيه رياضي للتوضيح، قائلاً إن “منظومة البحث العلمي تشبه فريق كرة القدم الذي يضم لاعبين من مستويات مختلفة، لكن التنظيم الجيد قادر على خلق التميز حتى في ظل تواضع الإمكانيات، وهو ما تفتقر إليه حاليًا الجامعة المغربية”.

واعتبر الوزير أن إعادة هيكلة المنظومة الجامعية، وتنظيمها بشكل فعّال، هو مدخل أساسي لتحسين الإنتاج العلمي. وأبرز أن الدول المتقدمة تعتمد على معايير دقيقة لترقية الأساتذة الباحثين، تقوم أساسًا على الإنتاج العلمي، وعدد القراءات، والمشاريع المرتبطة بالمحيط السوسيو اقتصادي.

وفي سياق متصل، حذر الوزير من التحولات السريعة التي تعرفها المهن في العالم، لا سيما في ظل بروز الذكاء الاصطناعي. لكنه أكد أن المغرب لا يعاني من تأخر في التأقلم التكنولوجي، لأن الأطفال والشباب يتعاملون بسهولة مع التغيرات الرقمية، غير أن الضرورة تقتضي ضبط هذا التطور وتوجيهه ليُحدث أثرًا إيجابيًا يساهم في خلق الثروة.

وأشار إلى أن تجارب ناجحة مثل “وادي السيليكون” وعدد من الدول الآسيوية والأوروبية، تؤكد أن البحث العلمي، والنقل التكنولوجي، والابتكار التطبيقي، تشكل الركائز الأساسية لنهضة اقتصادية حقيقية.

وأكد أن الزمن لم يعد محليًا أو وطنيًا فقط، بل أصبح عالميًا، وأن الرأسمال يبحث عن بيئة محفزة تتوفر فيها يد عاملة مؤهلة وتنافسية، مما يجعل من الضروري أن تستعد الجامعات المغربية لتوفير هذه الشروط.

وأوضح ميداوي أن دور الجامعة والبحث العلمي والابتكار والنقل التكنولوجي يتمثل في تحضير الأطر القادرة على مواكبة حاجيات المقاولات المغربية. ولفت إلى أن التنافسية يجب أن تتحول إلى أولوية استراتيجية بالنسبة لهذه المقاولات، لأنها إذا لم تواكب التطورات، فإنها معرضة للاندثار في وقت وجيز، بسبب غياب التفكير في تجديد المنتجات وتحسين الجودة ورفع المردودية.

وأكد الوزير أن الجامعات المغربية مطالبة كذلك بالتأقلم مع الضوابط والمقومات الدولية، مضيفًا أن الفوارق الكبرى بين الجامعات اليوم لا تكمن في التكوين، بل في مجالات البحث العلمي والابتكار ونقل التكنولوجيا، وهي المجالات التي تساهم بشكل مباشر في إنتاج الثروة.

وشدد ميداوي على أن الجامعة المغربية، التي تتوفر على رأسمال بشري مهم، مطالبة بتشجيع الشباب ومواكبته، ليس فقط بهدف التخرج والاندماج في سوق الشغل، بل أيضًا بهدف إنتاج المعرفة، ونشر مقالات وأفكار جديدة، تساهم في دعم تنافسية المقاولة المغربية والدولية. وأبرز أن المقاولات الأجنبية، إذا وجدت هذا النوع من الكفاءات، فإنها تستقر في البلاد وتستثمر بشكل أكبر.

وفي جانب آخر من كلمته، أشار الوزير إلى أن مسألة التشغيل ظلت منذ قرون مرتبطة بنسبة النمو. فكلما ارتفعت هذه النسبة، ولو بـ 0.5 أو 1 في المئة، انعكس ذلك بشكل مباشر على معدل التشغيل. وأكد أن التشغيل مرتبط أيضًا بالاستثمار الداخلي، سواء من طرف الدولة أو من طرف المقاولات والجماعات الترابية.

وأوضح أن الاستثمار يخلق نوعين من فرص الشغل: أولها بسيط، كما هو الحال في المركبات الصناعية، خاصة في قطاع السيارات، حيث لا يحتاج العامل إلا إلى تكوين بسيط قد لا يتجاوز أسبوعين. أما النوع الثاني، فهو الاستثمار التكنولوجي الثقيل، الذي يتطلب نقل التكنولوجيا، وهي العملية التي تبدأ بها كل الدول المتقدمة مثل الصين واليابان، والتي لا يمكن أن تنجح بدون مهندسين ودكاترة من مستوى عالٍ.

وأضاف ميداوي أن المغرب مطالب اليوم بالشروع في هذه العملية، لتكوين أطر قادرة على تنفيذ وإنجاح مراحل نقل التكنولوجيا، ثم المرور إلى مرحلة الإنتاج الصناعي الكامل داخل الوطن. وهو ما يتطلب توفير كفاءات محددة، ودور الجامعة هو التحضير لهذه البروفيلات.

وأكد في هذا السياق أن الوزارة تعمل على تطوير التكوينات، سواء الهندسية أو في الجامعات ذات الاستقطاب المفتوح، من أجل إعداد أطر قادرة على الاستجابة لحاجيات المستثمرين والمحيط السوسيو اقتصادي، وقادرة أيضًا على التأقلم بسرعة مع متطلبات الشركات والمقاولات.

وختم الوزير كلمته بالتأكيد على أن دور الجامعة لا يتمثل في إنتاج خريجين يستجيبون لحاجات ظرفية أو إكراهات آنية، بل في تكوين كفاءات تتوفر على أدوات معرفية وآليات علمية تمكّنها من التفاعل السريع مع المتغيرات، والمساهمة في بناء اقتصاد وطني تنافسي ومستدام.