التيجاني: يجب عدم ترك التعليم والصحة لآليات السوق، والحماية الاجتماعية ليست عبئًا.

التيجاني: يجب عدم ترك التعليم والصحة لآليات السوق، والحماية الاجتماعية ليست عبئًا.

حذّر عمر التيجاني، أستاذ الاقتصاد بجامعة عبد المالك السعدي، من التحديات المتزايدة التي تواجه نظام التضامن والحماية الاجتماعية في المغرب، معتبرًا أن أي تهديد يطال هذا النظام هو تهديد مباشر لمرتكزات النمو والاستقرار، خاصة في ظل تصاعد النزعة نحو “تسليع” الخدمات الاجتماعية وإخضاعها لمنطق السوق.

وفي كلمة تحليلية تناولت واقع الحماية الاجتماعية في المملكة، في ندوة بطنجة، قال التيجاني إن المغرب راكم تجربة مهمة منذ خطاب الملك محمد السادس سنة 2011، إلا أن هذه التجربة، رغم مكاسبها، لا تزال تواجه صعوبات بنيوية تتطلب التقييم والتجويد، لا سيما في ما يتعلق بضعف التنسيق، وهشاشة التمويل، وتحديات الحكامة والشفافية.

التيجاني ذكّر بأهمية النظر إلى الحماية الاجتماعية ليس كخدمة ثانوية أو عبء على الدولة، بل كأداة إنتاج اقتصادي بامتياز، مؤكدا أن الصحة والتعليم والشغل والأمان تشكل قاعدة هرم ماسلو الذي يقوم عليه الاستقرار النفسي والمهني للفرد.

وأوضح أن “الإنسان لا يمكن أن يُنتج أو يُبدع إذا لم يكن آمنًا، وإذا لم يكن على يقين من أن أبناءه يدرسون، وأنه إذا مرض، فهناك من يتكفل بعلاجه”، مضيفًا أن المفهوم الحديث للاقتصاد أصبح يضع العامل المؤمن اجتماعيًا في قلب المعادلة، لأنه أكثر إنتاجية وقدرة على خلق القيمة المضافة.

وانتقد أستاذ الاقتصاد النزعة العالمية الجديدة التي تعتبر أن الحماية الاجتماعية “سلعة تخضع للعرض والطلب”، مشيرًا إلى أن هذا التوجه يُفرغ الخدمات الأساسية من بعدها التضامني، ويجعلها رهينة لدى القطاع الخاص.

وأضاف: “حينما نقول للمواطن: السوق مفتوح، إذا لم يعجبك المستشفى العمومي فاذهب إلى العيادة الخاصة، فهذا منطق مرفوض.. لأن سوق الصحة ليس حرًا ولا شريفًا، بل تحكمه تكتلات وكارتيلات كما نبه إلى ذلك مجلس المنافسة”.

في السياق نفسه، دعا التيجاني إلى عدم ترك التعليم والصحة لمنطق السوق، لأن الأمر يتعلق بقطاعات استراتيجية لا تُقاس فقط بمردودها المالي، بل بدورها الحاسم في إنتاج الثروة البشرية وضمان العدالة الاجتماعية.

وفي تقييمه لتجربة المغرب في تعميم الحماية الاجتماعية، أبرز التيجاني جملة من الملاحظات التي تعيق فعالية هذا الورش الوطني، من بينها تشتت البرامج وضعف التنسيق بين الفاعلين، وضعف دقة الاستهداف للفئات الهشة، ومحدودية التغطية الجغرافية والاجتماعية، فضلًا عن هشاشة التمويل واعتماد آليات تقليدية في تدبير الموارد.

كما أشار إلى أن بيروقراطية الإجراءات وضعف جودة الخدمات المقدمة تشكلان عائقًا حقيقيًا أمام ثقة المواطنين في المنظومة، إلى جانب الإشكاليات المرتبطة بالحكامة والشفافية، وضغوط التحول الديموغرافي وتكاليفه المتزايدة، وهي كلها عوامل تستوجب مراجعة شاملة ومقاربة أكثر نجاعة واستدامة.

ورغم الملاحظات النقدية، شدّد التيجاني على ضرورة الاعتراف بما تحقق من مكتسبات، مبرزًا أن المغرب انتقل إلى مرحلة أصبح فيها الحد الأدنى من الدخل مضمونًا للفئات المعوزة، إذ تتلقى الأسر المعنية مبالغ شهرية تصل إلى 250 درهم وقد ترتفع إلى 850 درهم في بعض الحالات، مشيرًا إلى أن 95% من الطلبات تم قبولها بحسب ما أعلنه وزير الميزانية.

وأكد في ختام كلمته أن التجويد لا يعني النكران، وأن النقد البنّاء ينبغي أن يصب في اتجاه تحسين التجربة لا تبخيسها، مضيفًا: “لا يجب أن نغفل عن الاعتزاز بأن بلادنا اختارت هذا المسار، وقطعت فيه خطوات جدية نحو العدالة الاجتماعية”.