الدبلوماسية الحزبية المغربية تسلط الضوء على الغموض الإسباني وتختبر جدية المواقف

وجه حزب الاستقلال، رسالة رسمية إلى قيادة حزب الشعب الإسباني (PP)، عبر فيها عن استغرابه من ما وصفه بـ”غياب الوضوح” في موقف الحزب الإسباني تجاه قضية الصحراء المغربية، خصوصا بعد مشاركة ممثل جبهة البوليساريو الانفصالية في مؤتمره الأخير.
الرسالة، التي وُجّهت باسم الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، الوزير في الحكومة المغربية، فتحت بابًا من التساؤلات في الأوساط السياسية الإسبانية حول حقيقة موقف الحزب اليميني الذي يسعى للعودة إلى الحكم في مدريد، في وقت حسمت فيه الحكومة الإسبانية الحالية موقفها لصالح دعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي وجاد للنزاع المفتعل حول الصحراء.
وفي رده على رسالة الحزب المغربي، حاول بورخا سيمبر، المتحدث باسم الحزب ونائب أمينه العام المكلف بالثقافة، الدفاع عن موقف حزبه، مؤكدًا أن “موقف حزب الشعب من الصحراء معروف وعلني”، مشددًا على أن السياسة الخارجية لإسبانيا “لا تخضع لتأثيرات خارجية”.
إلا أن تصريحاته لم تخلُ من تناقض، إذ لم يُجب بشكل مباشر عن مشاركة ممثل البوليساريو، ولا عن سبب عدم وضوح دعم الحزب لمقترح الحكم الذاتي المغربي، الذي يحظى بتأييد متزايد دوليًا، من قبل فرنسا، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وغيرها من القوى المؤثرة.
سيمبر أشار إلى أن الحزب عبّر “دائمًا عن نفس الموقف”، داعيًا إلى احترام قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، دون أن يُوضح ما إذا كان الحزب يعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي إطارًا واقعيًا للحل، كما هو عليه موقف الحكومة الإسبانية الحالية.
يونس المنصوري، الباحث في العلاقات الدولية والمقيم بإسبانيا، يرى أن الرسالة التي وجهها حزب الاستقلال المغربي إلى حزب الشعب الإسباني (PP)، تمثل تحركًا ذكيًا ومدروسًا يعكس وعيًا متقدمًا بأهمية الدبلوماسية الحزبية كأداة دفاع استراتيجية عن السيادة الوطنية.
ويؤكد المنصوري أن هذا التحرك ليس معزولًا، بل يُعبّر عن انتقال نوعي في تمثّل النخبة السياسية المغربية لأدوارها الخارجية، خاصة في لحظة إقليمية تعرف تغييرات متسارعة في مواقف الحكومات والأحزاب الأوروبية، إزاء عدد من القضايا ذات الأولوية بالنسبة للمغرب، وعلى رأسها قضية الصحراء.
ويضيف المنصوري أن الرد الذي قدمه المتحدث باسم حزب الشعب الإسباني، بورخا سيمبر، لم يكن في مستوى اللحظة السياسية، بل كشف نوعًا من الارتباك الداخلي والتناقض في الموقف، خاصة حين اكتفى بالقول إن موقف الحزب “معروف وعلني”، دون أن يُجيب بشكل مباشر عن سبب مشاركة ممثل جبهة البوليساريو في مؤتمر الحزب، أو عن غياب الدعم الصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي.
ويعتبر المنصوري في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن هذا الغموض المقصود يهدف إلى كسب الوقت أو التوفيق بين تيارات داخلية متناقضة داخل الحزب، بعضها لا يمانع في مغازلة الطروحات الانفصالية، وهو ما يُمثل تهديدًا مباشرًا لما راكمه المغرب من مكتسبات دبلوماسية خلال السنوات الأخيرة.
ويشدد المنصوري على أن الدبلوماسية الحزبية اليوم لم تعد ترفًا سياسيًا، بل أداة ضرورية ومتكاملة مع الدبلوماسية الرسمية، لا سيما حين يتعلق الأمر بأحزاب مرشحة للحكم أو تملك تأثيرًا كبيرًا على القرار داخل مؤسسات بلدانها. وفي هذا السياق، يرى أن تحرك حزب الاستقلال يُمثّل سابقة يجب أن تتحول إلى منهج دائم في الاشتغال الحزبي الخارجي.
كما يوضح المنصوري أن من مهام هذه الدبلوماسية الحزبية سدّ الفجوات التي تتركها العلاقات الرسمية، وتحريك الحوار مع الأحزاب المؤثرة في أوروبا، وتحديدًا تلك التي تلعب أدوارًا رئيسية في السياسة الخارجية لبلدانها.
ويضيف أن التنسيق بين الأحزاب المغربية في ما بينها، وتكوين نخبة حزبية متمكنة من أدوات التفاوض وفهم السياقات الأوروبية، سيُشكل رأسمالًا سياسيًا بالغ الأهمية للمغرب، من أجل مواجهة أي تحولات مفاجئة أو حملات منظمة من خصوم الوحدة الترابية.
ويُحذر المنصوري من أن التباين بين موقف الحكومة الإسبانية، الداعمة صراحة لمقترح الحكم الذاتي، ومواقف بعض الأحزاب المعارضة، يمثل خطرًا سياسيًا يجب التعامل معه بكثير من الواقعية والحزم، ولكن أيضًا بالانفتاح والاشتغال الاستباقي على هذه الأحزاب قبل وصولها إلى السلطة.