إسبانيا والمهاجرون: التوازن بين الاستراتيجية الطموحة وتحديات اليمين المتطرف

إسبانيا والمهاجرون: التوازن بين الاستراتيجية الطموحة وتحديات اليمين المتطرف

1 – بالنسبة لملف الهجرة الذي يعتبر ملفا شائكا، حيث إنه ومنذ ثمانينيات القرن الـ20 شهد اليمين المتطرف في أوروبا تحولا جذريا في أولوياته، وبدأ اليمين المتطرف يهتم أكثر فأكثر بموضوع الهجرة والاندماج مع تصدره النقاش السياسي في عدد من بلدان أوروبا الغربية ذات التقاليد العريقة في الهجرة بحكم الماضي الاستعماري مثل إسبانيا، ثم بسبب الحاجة إلى اليد العاملة القادمة من وراء البحار في مرحلة الإعمار اللاحقة للحرب العالمية الثانية.

وبحلول تسعينيات القرن الـ20 باتت الهجرة الشغل الشاغل لليمين المتطرف الذي يسوّق إشكالاتها العديدة وخاصة الاندماج والهوية، لإضفاء القابلية على خطابه العنصري والمعادي للأجانب في حقيقته، وهكذا طوّر اليمين المتطرف خطابه ضد الهجرة لإكسابه حجة أقوى لدى قطاعات أوسع من المواطنين الأوروبيين.

فاذا كانت بعض الأحزاب التقليدية في أوروبا تدعو الى التعامل مع ملف الهجرة بشكل انساني ، انما اليمين المتطرف الذي يطرح شعار “أوروبا للأوروبيين”، سواء في التشغيل وحركة الاقتصاد والعمالة، وفي سياسات الهجرة، وواقع التعددية والحريات الدينية والثقافية، يعمل على تسويق فكرته المؤسسة لمعاداة الأجانب وذوي الأصول غير الأوروبية باعتبار أنهم يستحوذون على مناصب شغل متزايدة، في حين يكابد ملايين الأوروبيين الأصليين البطالة ومخاطر التشرد.

2– تسلك إسبانيا طريقاً مغايراً في وقت تتشدد فيه السياسات الأوروبية تجاه الهجرة وتتعالى فيه الأصوات الشعبوية الرافضة للوافدين. فعوضاً عن الانكفاء،فقد نفذت منذ 1986 ستة برامج  لتسوية أوضاع مهاجريي غير قانونيين، استفاد منها أكثر من 1.2 مليون شخص، إلا أن البرنامج الحالي  التي تعتزم إسبانيا إطلاقه يُعدّ الأوسع والأكثر طموحاً، ويُرافقه توسيع في نظام تأشيرات العمل الموسمية بالتعاون مع دول مثل المغرب والسنغال وموريتانيا. وذلك، بهدف إدماج نحو مليون مهاجر، خلال السنوات الثلاث المقبلة. حيث تسعى من خلالها الحكومة إلى معالجة أزمتين متداخلتين؛ تراجع النمو الديمغرافي، ونقص اليد العاملة في قطاعات اقتصادية حيوية.

3–  بغض النظر عن  السياق  السياسي و الدبلوماسي بين المغرب و إسبانيا ،  فإن إسبانيا و بشكل براغماتي بحاجة أساسا إلى المهاجرين لأن إسبانيا تواجه أزمة شيخوخة متفاقمة . وانخفاضاً حاداً في معدلات الولادة، لذلك تمثل الهجرة حلّاً عملياً للحفاظ على سوق العمل ونظام المعاشات. خاصة و أن المهاجرون  يعملون أساسا في  أساساً في قطاعات الزراعة، السياحة، الرعاية الصحية، الخدمات، وهم منتشرون في المدن الكبرى كما في المناطق الريفية التي تعاني تناقصاً سكانياً.

4– إن اليمين المتطرف لا يعتبر المهاجرين عبءا على الاقتصاد الاسباني فقط و انما تهديد هوياتي  فقد طرح  «فوكس» مؤخراً في البرلمان مشروع قانون لمنع استخدام الحجاب في جميع الأماكن العامة، وإلغاء دروس تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية في المدارس الرسمية.في حين أنه ينبغي أن يقدم اليمين المتطرف وجميع القوى الحية في إسبانيا الشكر للمهاجرين من الأجيال المتعاقبة في إسبانيا التي ساهمت في بناء الاقتصاد الاسباني وخاصة  المهن الشاقة التي تعتمد على اليد العاملة كالبناء والفلاحة وغيرها.

5–  إن الخطة التي تطمح الحكومة الاسبانية تحقيقها  في هذا الشأن ، ترسم ملامح نموذج بديل في إدارة ملف الهجرة، يقوم على الموازنة بين البعد الإنساني والبراغماتية الاقتصادية، ويتعامل مع المهاجرين باعتبارهم رافعة للنمو، ليسوا تهديداً كما يتصورهم اليمين المتطرف  بوصفهم أعباء ينبغي صدّها.

و إذا تحققت خطتها ، فقد تكون نموذجا يحتدى  لباقي الدول الأوروبية  المطالبة بمراجعة سياساتها التقليدية، و إعادة رسم خريطة الهجرة في أوروبا نحو وجهة أكثر انفتاحاً وإنصافاً.

رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية و العلاقات الدولية