الذود عن “بلارج”

“بلارج” طائر جميل وفريد، يتميز بحجمه الكبير ومنقاره الحاد والطويل، واختياراته في الحياة عديدة، ومنتقاة بعناية كموطن العيش وموقع التعشيش والشريك المناسب للزواج… لكن عندما تضع المرأة بكل كيانها ووجودها وطموحاتها، أمام خيارين في الحياة فهو ضرب من ضروب الجنون، مسارين جعلهما المجتمع نقيضين ورسم لهما خطين متوازيين لا يلتقيان، خصوصا عندما يتم توجيهها لإختيار دون الآخر، على اعتبار انه آمن وضامن لحمايتها وكرامتها كامرأة، ويتعلق الأمر هنا بمسار الزواج في مقابل الدراسة أو العمل، أعلم جيدا أن الأمر أصبح متجاوزا والخوض فيه يعد مستهلكا، لكن الإشكال القائم هو من جعل الوضعين نقيضين؟ من قام بتسطير البروفايل والمسار الخاص بالمتزوجة وذاك المتعلق بالمتمدرسة أو الموظفة؟ من لقن المرأة في مجتمعاتنا حتمية الإختيار وجعلها في حيرة من أمرها؟
بالمناسبة اللقلاق أو” بلارج ” طائر اجتماعي وليس منعزلا، ولا يعيش وحيدا أبدا بل في مجموعات أو مع شريكه، يتميز بوفاءه وولائه للزوج، يبقى معه لسنوات في علاقة طويلة الأمد حبا للإستقرار، هذا الإستقرار الذي نعلم جيدا أن مؤسسة الزواج هي الضامن له، كما نعي أيضا حجم التهديد الذي يطال هذه المؤسسة، والزواج كما ينبغي أن يكون هو محصن للنفس من كل ما يحيط بها، ومساهم في بث الاستقرار الاجتماعي والنفسي والعاطفي، لكن هل هو محصن من نوائب الزمن؟
المتزوجة اليوم قد تصبح أرملة، مطلقة، مهجورة أو معنفة، وقد تتقلب أحوالها للأسوأ ويصبح زوجها طريح الفراش أو فاقد للعمل فجأة، وما عسانا نفضل في هذه الحالة زوجة متعلمة أو ذات تجربة مهنية معينة، أو موظفة مهيئة وقادرة على التصرف وإنقاذ أسرتها ودعمها، أم زوجة حبيسة شرنقتها وعاجزة على مواجهة المجتمع، لا حول ولا قوة لها؟ الزوجة المتعلمة ربة بيت أو عاملة، قيمة مضافة للأسرة وللمجتمع، وذات تأثير وحضور إيجابي في كل الأحوال، ولم تكن يوما مثالا للمتمردة أو النسوية كما يحلو للبعض تسميتها.
ثم أن واقع الحال يضعنا أمام احتمالين، الأول وهو المشاع والمسطر اجتماعيا، المتمثل في طلب الزواج أملا في الحصول على الأمان والاستقرار الأسري والاجتماعي، وتحقيق السكينة والمودة، وفي مقابله الوضع النشاز وهو الهروب من الزواج للاستغاثة وطلبا للحماية والأمان من الخارج، وبالتالي فهي عملية فرار من وإلى الزواج، أي أننا أمام خيارين لسنا على ثقة كاملة في قدرة أي منهما على منح الحماية للمرأة.
إذن ما المبرر الموضوعي الداعي لتقليص الخيارات، وحصرها أمام المرأة ومجتمعها؟
لقنوا أبناءكم وبناتكم أن النجاح الدراسي أو المهني، لم يكن يوما معرقلا للنجاح الاجتماعي والأسري بل يعززه ويقويه، وهذا النجاح ممكن أن يكون برفقة الشريك والأبناء فلا مانع لذلك أبدا، ومخطئ جدا من قام بعملية العزل الساذجة والتفريق بين مسارين أحدها إمتداد للآخر وتكملة له، فالمتزوجة الناجحة دراسيا أو مهنيا، هي نموذج إيجابي لأبنائها وزوجها وهو ما يمكن أن يرسخ هاته الثقافة داخل الأسرة والمجتمع.
تذكير: بلارج يستنكر.
أخصائية إجتماعية ومدونة-