فراق عبد العالي الرامي.. رمز الطفولة وضمير المجتمع المدني في الرباط

فراق عبد العالي الرامي.. رمز الطفولة وضمير المجتمع المدني في الرباط

شيّعت مدينة الرباط، اليوم الأحد، جثمان الفاعل الجمعوي عبد العالي الرامي، في جنازة طبعها الحزن العميق، بعدما رحل عن دنيا الناس إثر صراع مرير مع مرض عضال لم ينل من عطائه الإنساني المديد.

وخيّم الأسى على وجوه العشرات من أصدقائه ورفاقه في العمل المدني، وهم يودّعون واحدًا من أبرز من كرّسوا حياتهم لخدمة الطفولة والدفاع عن الفئات الهشّة، في العاصمة ومناطق أخرى من البلاد.

الرجل الذي أسّس وقاد منتدى الطفولة لعقود، لم يكن اسمه غريبًا على المشهد الجمعوي المغربي. فمن الأحياء الشعبية ليعقوب المنصور، إلى مشاركاته في المبادرات الوطنية، ظلّ صوت الرامي حاضرًا بقوة في كل ما يخص كرامة الطفل، وحقوق المسنين، ومطالب ساكنة الرباط.

لم يكتفِ بالمرافعة داخل القاعات المغلقة، بل جعل من الشارع، ومنصات التواصل، وحتى الإعلام الدولي، امتدادًا طبيعيًا لالتزامه الأخلاقي والإنساني.

وعُرف عبد العالي الرامي بمواكبته المستمرة لقضايا الوطن اليومية، وبحسّه التواصلي القريب من الناس. فقد كان ضيفًا مألوفًا في البرامج التي تلامس معاناة المواطن المغربي، صريحًا في كلماته، ومؤمنًا بأن العمل الجمعوي ليس ترفًا ولا مناسبة، بل “رسالة حياة”، كما كان يردد دائمًا.

أما على صفحته الخاصة بفيسبوك، التي ظلّ ينشط فيها بكثافة ويتقاسم عبرها قضايا الناس وانشغالاتهم اليومية، فقد كانت مساحة ينسج فيها تواصله الحيّ مع محيطه المجتمعي، ويوثق من خلالها مبادراته ويُعبّر عن مواقفه بصدق وتلقائية.

وعلى غير عادته في النقاشات الاجتماعية الحادة أحيانًا، جاءت آخر تدويناته هادئة، مفعمة بروح الإيمان والخشوع، وفيها كتب دعاءً مؤثرًا لوالديه وموتى المسلمين: “دعائي لأمي وأبي في هذا اليوم المبارك، وجميع موتى المسلمين، وادخلهم جناتك، واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة، والشفاء العاجل لكل مريض”.

كلمات بدت وكأنها وداع صامت، اختزلت روحه الطيبة ونقاء سريرته، وخلّفت في قلوب متابعيه شعورًا عميقًا بأن الرجل كان يستشعر اقتراب لحظة الرحيل، فاختار أن يُغادر وهو يدعو للرحمة، لا لنفسه فقط، بل لكل من غاب عن الدنيا وترك أثرًا طيبًا فيها، كما فعل هو تمامًا.

وفي وداعه، كتبت الصحفية وفاء كنسوس:”كان نبيلاً، لطيفًا، طاهر النية، عالي الهمة في الخير، بارًّا بالناس كما يُفترض بالقلوب الصافية أن تكون… لم يكن مجرد وجه في منصات التواصل، بل كان ضوءًا يهدي، وصوتًا يوقظ، وقدوة تُتّبع..”