دروس الرجاء في ‘ديمقراطية كرة القدم’

دروس الرجاء في ‘ديمقراطية كرة القدم’

لم يكن الجمع العام العادي الذي عقده الرجاء الرياضي، مساء يوم أمس الإثنين، عاديا في الحقيقة، لقد كان لحظة فارقة في تاريخ القلعة الخضراء، بل كرة القدم المغربية، في زمن يتوارى فيه مسيرو الأندية الوطنية، وحتى السياسيون، خلف الأبواب المغلقة والبلاغات المنمقة بلا كشف حساب ولا رقيب ولا حتى مساءلة.

أسرة الرجاء قدمت يوم أمس درسا في الديمقراطية، وأعادت ترتيب أوراق بيتها الداخلي على المكشوف، تحت أعين الجمهور، وبشفافية لم يألفها المشهد الكروي المغربي لوضع “الرجل المناسب في المكان المناسب” في جمع عام غير مسبوق دام لأزيد من تسع ساعات.

انتخب جواد الزيات رئيسا جديدا لـ”النسر الأخضر” لأربع سنوات، في أجواء نزيهة ومفتوحة، نقلت تفاصيلها بالصوت والصورة إلى الأنصار، الذين تابعوا، لحظة بلحظة، كيف يتخذ القرار داخل مؤسسة الرجاء، بعيدا عن “كولسة”؛ بالرأي والرأي الآخر، بالنقاش والاختلاف، ثم بتصويت شفاف أمام ملايين المشاهدين خلف الهواتف والحواسيب، كما يحدث في الديمقراطيات الحقيقية.

الرجاء، وهو ينقل جمعه العام مباشرة على صفحته الرسمية بـ”فيسبوك” حوّله من مجرد جمع إداري لتصفية حسابات الموسم، إلى درس حي في الشفافية والمحاسبة، يُدرّس؛ ليس فقط رياضيا، بل حتى للسياسيين والمنتخبين الذين ما زالوا يختبئون خلف لُبس القوانين والتهرب والتسيير الانفرادي.

برلمان الرجاء وهو يرسم صورة ديمقراطية مثالية في لحظة تاريخية، كان يعي تعقيدات وتحديات المرحلة المقبلة، بدخول الشركة الرياضية “الخِدمة”، وتواري الجمعية إلى الخلف للقطع مع زمن كانت تدبر فيه الأندية بمنطق الانتهازية والولاءات والصراعات.

وما يحسب للرجاء أكثر أنه تعلم من درس بودريقة، ولم ينجر خلف وعود هلامية لـ”مول الشكارة”، ولم يرضخ لإغراءات أموال مستشهرين غامضين أو لأسماء “ليست منا”، واختار أن يستمع لصوت العقل والانتماء، لمعسكر العلم لا المال، ليضع قدما بثبات نحو مرحلة جديدة من التسيير، عنوانها الحكامة، والانتقال إلى نموذج الشركات، الذي سيكون كعادته سباقا إليه.

وأثبت الرجاء مرة أخرى أنه ليس مجرد فريق كرة، بل مؤسسة قائمة بذاتها ولذاتها، تعرف كيف تصنع الحدث، وتفرض احترامها، وتفتح الباب واسعا لنقاش وطني؛ بقصد أو دونه، حول معنى الديمقراطية حين تمارس بجرأة وشفافية ومسؤولية.

ديمقراطية الرجاء أعطت دروسا بليغة في الشفافية للعصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية، بحضور رئيسها عبد السلام بلقشور، والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، إذ في وقت لا تجد فيه طريقا إلى التقارير المالية للجامعة والعصبة، ولأغلب الأندية الوطنية أيضا، قدم النادي الأخضر، على غرار جموعه العامة السابقة، كشف حسابه؛ لم يكتف فيه بعرض أرقام جافة أو الركمجة على إنجازات عابرة، بل ناقشذ؛ بلا حرج، أدق التفاصيل المالية أمام قرابة 3 ملايين متابع، في شفافية قل نظيرها، تفعيلا لثقافة الوضوح والمساءلة.

وبهذا، الظل الرجاء الاستثناء في مشهد كروي عملته الرائجة التوافقات الهشة والتكتلات المصلحية والتواطؤات، وظل وفيا لنهج البعيد عن جموع الولائم و”التطبيل” حد التقديس لإنجازات مرحلية بلا مشاريع قاعدية ولا استشراف لمستقبل يزيل مساحيق التجميل عن وجه معطوب لتسيير الكثير من الأندية الوطنية.