السياسة بين العدوان والحكمة: قراءة سياسية مستندة إلى القرآن الكريم.

تأمل قول الله تعالى: “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك”.
خطاب رباني إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، القائد والمصلح، يحذره من أن القسوة والغلظة، لا تقنع الناس ولا توحد الصف، بل تنفرهم وتفكك الجماعة. فكيف بنا اليوم، حين نرى بعض الفاعلين السياسيين في مغربنا الحبيب، وقد اختزلوا ممارستهم السياسية في الفظاظة، والغلظة، والصراخ، دون اعتبار لميزان الحكمة، أو فقه التأثير؟
لقد تحولت بعض خطابات المعارضة إلى أدوات تنفير، بدل أن تكون أدوات إقناع. لغة هجومية، عدوانية، تفتقر إلى التوازن النفسي والعمق الفكري. يعتقد أصحابها أن رفع الصوت يُغني عن ضعف الحجة، وأن إهانة الخصم تعني تفوقا سياسيا، وأن الفظاظة “موقف نضالي” لا أسلوب مدمر.
وهكذا، باسم المعارضة، نشاهد منابر تتحول إلى ساحات سب وقذف، ونقاشات تدار بعقلية انتقامية لا ديمقراطية، وشخصيات تتفنن في الاستفزاز أكثر من تقديم الحلول. والنتيجة؟ جمهور سياسي ينفض، وشباب يعرض عن السياسة، ومجتمع يصاب بتخمة في التوتر، وجوع في الثقة.
المفارقة، أن من يمارس هذا الأسلوب الفظ، يطالب باحترام الديمقراطية وبالاستماع إلى “صوت الشعب”، لكنه لا يتقن إلا صوته هو. يزايد في الخطاب الأخلاقي، بينما ينشر أخطر أشكال الفساد الرمزي: إفساد الذوق السياسي، وهدم آداب الحوار، والترويج للكراهية باسم المعارضة.
الآية الكريمة لم تكن موعظة عاطفية، بل قاعدة في فن القيادة، تصلح للحكومة كما تصلح للمعارضة. فمن أراد التأثير، عليه أن يملك “قلبا رحيما، ولسانا حكيما، ونية مصلحة”، لا أن يتوسل الغلظة لفرض ذاته أو استعادة بريق ضائع.
السياسة الناجحة ليست في رفع الصوت، بل في خفض منسوب الكراهية. وليست في تصفية الحسابات، بل في تصفية النوايا لصالح الوطن. وإذا كنا نعيش أزمة ثقة اليوم، فجزء كبير منها يعود إلى أن بعض من يُفترض أن يكونوا قدوة في الخطاب، تحولوا إلى رموز للنفور والسجال العقيم.
إن بناء السياسة الرشيدة، يبدأ من اللغة. ومن أراد أن يجمع الناس، فليتأمل وصية الحق سبحانه:
“ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.”
هي دعوة للسياسيين، قبل غيرهم، أن يراجعوا لغتهم، وقلوبهم، ونواياهم، إذا أرادوا حقا أن يبني الناس حولهم لا أن ينفضوا عنهم.