محتويات الذكاء الاصطناعي في المغرب: تعبير عن المعاناة الاجتماعية أم تلاعب بالوعي؟

ارتفعت وتيرة نشر فيديوهات بالذكاء الاصطناعي بشكل لافت خلال الأيام الأخيرة، حيث باتت هذه المقاطع تطرح قضايا واقعية يعيشها المغاربة، من فقر وتهميش وهجرة وعنف بشكل هزلي، غير أن وجهها الآخر خلق جدلا بسبب توظيف كلام نابي ومصطلحات غير أخلاقية.
وتحظى المقاطع المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي بانتشار كبير في صفوف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أنها أثارت استنكارا بفعل التوظيف السلبي وإنتاج فيديوهات مخلة بالحياء العام، بإخراج يظهر أنها أحداث تجري في المغرب.
وتأتي هذه الفيديوهات في وقت يتزايد فيه استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى، وهو ما يطرح تساؤلات مهمة حول أخلاقيات استخدام هذه التقنيات، وخصوصية الأفراد، ودرجة التأثير على الوعي الجماهيري.
في هذا السياق، أكد مهدي عامري، الخبير في الذكاء الاصطناعي والرقمنة والأستاذ الباحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن ما نشهده اليوم من انتشار واسع لفيديوهات الذكاء الاصطناعي في المغرب، والتي تستعمل وجوهًا مألوفة لشخصيات عمومية أو مجهولة من عامة الناس، ليس مجرّد “تقليعة رقمية”.
وأشار الخبير إلى أن هذه الفيديوهات، بتقنياتها العالية وأحيانًا البسيطة، “تُلبس الآلة قناع الإنسان المغربي البسيط، لتجعل من الحيّ الشعبي ديكورًا، ومن الشاب العاطل أيقونة، ومن المرأة المنهكة صورة تمثيلية لحكاية أكبر من الألم، دون إذن، دون مساءلة، ودون أي اعتراف بالأصوات الأصلية”.
وأضاف بأنّ هذه المقاطع كثيرًا ما تُعاد فيها كتابة خطاب “السلطة”، سواء كانت سلطة الدولة أو سلطة السوق أو حتى سلطة الرأي العام المعلّب فالشاب الذي يُفترض أنه يدافع عن “المهلوكين”، لا يملك في أغلب الحالات سوى استراتيجيات رقمية لركوب الموجة، واستثمار مآسي الآخرين لجلب المشاهدات.
وأوضح الباحث أن بعض الفيديوهات التي تدّعي الدفاع عن “الشعب” ليست إلا مرايا لخطاب سلطوي ناعم، يُعيد ترتيب الألم الاجتماعي في مشاهد تبريرية، تخدم “سياسات الأمر الواقع”، وتُحوّل النقد إلى تنفيس، والغضب إلى استهلاك.
ونبه إلى أن ما نراه ليس دائمًا إعلامًا بديلاً، بل أحيانًا هو فقط نسخة هجينة من الإعلام الرسمي، لكن بوجوه مستعارة وأصوات مشفّرة بلغة الذكاء الاصطناعي.
وشدد الأستاذ على أهمية إعادة الاعتبار للإنسان وسط هذا الطوفان من الصور الاصطناعية، وأن نحمي حقّه في أن يُمثّل نفسه، بصوته، بوجهه، بحكايته الحقيقية، لا بنسخة زائفة تُحاكي الواقع المغربي بينما هي في العمق تُصنع بعيدًا عن نبضه، في غرف مظلمة حيث لا يُسمع سوى صوت “الترند”.